سهير يونس
دخلت غرفتك بالأمس.. وكل التفاصيل استيقظت بي..
صوت سعالك وأنت ذاهب إلى صلاة الفجر في المسجد.. رائحة خبز أمي وإبريق الشاي.. صوت إذاعة القرآن الذي كانت تسمعه أمي ساعات الصباح الأولى.. محادثاتك الطويلة أنت وأمي وقت القيلولة وأنتما ترتشفان الشاي.. جلوس جدي على الكرسي الخشبي بعد صلاة العصر منتظراً إياك لحلاقته.. صوت رنين الهاتف الأرضي.. رائحة الطعام المتسربة من مطبخ جدتي.. رائحة العود يوم الجمعة.. سماعك للأخبار المسائية بصوت المذيع الجهور ومحاولات أمي لإقناعنا بالنوم بهدوء لتحظى بسماعها.. وساداتنا المتلاصقة.. أغطيتنا الصوفية الكبيرة.. إجازاتنا الصيفية الطويلة.. نزهات البحر التي كنا نقنعك بها دون ملل.. بيتنا الريفي الصغير.. رائحة الخضروات في صندوق سيارتك.. شجرة الزيتون الكبيرة.. مواسم جني الزيتون والشعير.. صوت مطرقتك لإصلاح عطل ما في الصباح الباكر.. الخيط القماشي الذي تبقيه أمي في ثقب الباب ليسهل علينا فتحه وإغلاقه.. ليلة النصف من شعبان.. فرحة رؤية هلال رمضان.. جلوسنا أمام البيت وقت الإفطار لرؤية الشارع خال من السيارات.. صلاة التراويح.. طقوس ليلة العيد مع أمي.. ملابس العيد.. صوت الدراهم المعدنية في حقائبنا كعيدية من جدي يونس الكبير.. ترقب إعلان نتائج الحج بتوتر.. فرحة رجوعك منه.. افتخارك بنجاح أخي الأكبر..
ارتفاع قاماتنا.. تغير ملامحنا.. طقوس مراهقتنا.. إخفائي لقلم الكحل عن أمي.. الأغاني التي كنا ننصت لها سراً.. صوت ضحكاتنا ونحن صبايا في مقتبل العمر.. أصدقاؤنا.. جيراننا.. رفاقنا الذي مضى بهم الوقت.. حماقاتنا الطيبة.. أيامنا الجميلة.. سرعة زحف السنوات.. الذكريات التي تفترس أرواحنا.. حكايات أهدتها لنا الحياة وحكايات سلبتها من الأيام..
كل ما سبق يا والدي أشياء أفتقدها حد البكاء.. حد الاختباء في زاوية معتمة في غرفتك ورسم كل الوجوه التي أشتاق إليها، وتقليد كل الأصوات التي أتمنى سماعها ولكني فشلت، فاكتفيت بزيارة غرفتك أبحث فيها عن ثوب جدتي وعكاز جدي وصوت أمي وابتسامتك الطيبة يا أبي..