من أعمال الفنان التشكيلي رضوان الزناتي
طيوب النص

ديسمبر الماضي

من أعمال الفنان التشكيلي رضوان الزناتي
من أعمال الفنان التشكيلي رضوان الزناتي

 

هل تتذكرين ديسمبر ؟ شهر المطر و الجوع و الكأبة ، في ديسمبر يصبح الجمر احمر و يصبح الحزن اخطر ، و يكبر السحاب في السماء الغائمة و يكبر الحب في الاعين الغائمة ، و تفيض مزاريب المدينة بالماء و تفيض مزاريب عيني بالدموع ، في ديسمبر تفيض الدنيا مثل قوقعة و يتدخل الانبياء و عمال المجاري لتخليص العالم من احزانه ، لتخليص الماء من دموع الناس ، الأنبياء و عمال المجاري على حد سواء انطلقوا من هذه النقطة ، انطلقوا لإفهام الإنسان أن دموعه لا تروي ارضه ، و أن الارض ليست منديًلا للدمع و ” الخناين “

قضيت الليالي في ديسمبر الماضي في السهر و الكتابة إليك ، ربطت رأسي بالمنشفة و وضعت دورق قهوتي على النار و وضعت الكلمات العربية على النار و احصيت اصابعي بإصابعي في إنتظار أن يصبح كل شيء سواء و تصبح اصابع يدي سواء ، ثم دلقت الكلمات على ركبتي و جلست افرز الكلمات الناضجة و ارمي الكلمات المحترقة للفئران مثل عجوز طيبة تفرز حبات العدس بصبر و محبة ، البن يحترق بسهولة و الكلمات العربية تحترق بسهولة ، هذه بضاعة العصر الرديء كما تقول العجائز ، و يمكنني أنا استرد ثمن البن الرديء من الحانوت و لكن من باعني الكلمات ؟ كتبت إليك كلمات نصفة محترقة لكنها ستصبح شهية بعد ازالة القشور ، لا يمكن تذوق حلاوة شيء بدون نزع قشوره ، و المراة تفهم تعامل الحضارة البشرية مع القشور حين تختار اخف الملابس لغواية اثقل الرجال ، كتبت إليك اخف الكلمات في ديسمبر الماضي…

أنتِ مثل المرايا تأخذين شكل المكان ، في الحديقة تصبحين سوسنة و في السماء تصبحين نجمة ، و في البحر تصبحين سمكة ، و في الكتاب تصبحين كلمة و في الاغنية تصبحين جرحًا و في قلبي تصبحين قلبي ، في ديسمبر اضع قلبي على الجمر و ازرع فوقه التبغ و الاغنيات و علامات المرور و ابحث عنك ، في ديسمبر المحزن اتذكرك و تصبح ذاكرتي عناقيدًا من العنب الاسود اعصرها في فمي قبل أن انام ، و احلم بك و ادعوك في حلمي الاميرة ، و في الليلة التالية احلم بحصان و سيف و خطة لإقتحام قلعة الملك ، الاحلام بالبلاش طالما الرعية ينامون خارج القلعة ، الاحلام مثل المطر بالبلاش أما المظلات فلا تباع للمعدمين ، و إذا واتتك الظروف و نمت في قصر الملك فلا تحلم و لا تتبول في فراشك ، لأن الملك يحب أن يأكل شعبه على الناشف…

في ديمسبر الماضي كتب إليك اخف الكلمات و اسرعها اشتعالًا ، فهل انتقلت حرارتها إلى جسدك ؟ و هل غلى الحليب في نهديك و احترقت السنة العصافير ؟ و هل ثمة نهد حسن السمعة يحرق يد حبيبه إلا في ديسمبر ؟ كتبت إليك افظع الكلمات ، كلمة تنطح كلمة و تترك قرونها في صدري ، في ديسمبر تفيض الدنيا مثل قوقعة و يتدخل الانبياء و عمال المجاري لانقاذ انف العالم الكبير من القوقعة ، و يجوع الناس في إفريقيا للخبز و يجوع الناس في أوروبا للحب ، مازال الإنسان جائعًا في كل مكان ، الجوع واحد و الحزن واحد كما يقول عامل المجاري ، الجوع واحد مادام لا يتوفر كل شيء في الحقول ، و مادام أن دموع الانسان لا تروي ارضه…

مقالات ذات علاقة

أُحبُّ الأزرق، لكني أكرهُ أنْ يكون لونَ الرمّان

عاشور الطويبي

نصيحة خليلة

صفاء يونس

أبجدية العين

المشرف العام

اترك تعليق