قصة

موسم الرمان

من أعمال التشكيليل الليبي أمين المرغني (الصورة: من اختيار الكاتب شكري السنكي)
من أعمال التشكيليل الليبي أمين المرغني (الصورة: من اختيار الكاتب شكري السنكي)

ذلك اليوم، ألقى نظرة على حقله وقف أمامه وهو يتأمل ثمار الرمان وهو يتخيل حبيباته الحمراء المكتنزة في جوفه، أكتوبر على الأبواب، وموسم الرمان قد دنا، ومحصول حقله من الرمان هو الأجود في كل الوادي، بل في كل البلاد من شرقها لغربها.

صوت آذان المغرب يأتي متقطعاً بسبب الرياح الذي بدأت تزداد وتيرتها، قبل أن يدخل البيت عرج على الحظيرة الصغيرة ليطمئن على بقرته الوحيدة ودجاجته المشاكسات، وجد بقرته تجتر ما وضعه لها من التبن غير مهتمة، أما دجاجاته فقد انحشرن في قنهن صامتات على غير عادتهن، وكأنهن يتوقعن شيئاً ما، لم يتركهن اليوم في الخارج خوفاً عليها من العاصفة القادمة كما يقولون، لم يأخذ كلام من أتوا إليه بالأمس يطالبوه بالإخلاء على محمل الجد، ولم يستجب لطلبهم رغم إنه ومنذ يومين كان يسمع أنينًا مخيفًا يأتي من ناحية السد، وكأن السد ينوء بحمل ثقيل على وشك التحرر منه. تجاهل كل هذه الوساوس وهو يدخل إلى البيت وقد بدأ المطر يهطل بقوة على سقف الحضيرة المعدني (الزينقو) ويحدث صوتاً مخيفاً.

دلف إلى البيت وأحكم إغلاق الباب، دخل غرفة المعيشة وجد زوجته تضع المناشف والشراشف تحت النوافذ فقد بدأ الماء يتسرب منهما إلى الداخل، نظر إلى بطنها وحملها الذي لم يتجاوز السبعة أشهر، ها هو ينتظر ولادتها على أحر من الجمر، لقد قالت لهم الطبيبة إنه (ولد)، لم يكره وجود بناته الثلاثة أبداً ولكن كان بشوق أن يكون له ولد يحمل اسم والده، رغم اعتراض زوجته، فقد قالت له إن الاسم قديم جداً ولا يعجبها ولكن سأسميه على كل حال!!

بدأ صوت الأنين يزداد وضوحاً وتوحشاً، سمع زوجته تقول له:

– (يا ريت طلعنا زي ما قالولنا، الجيران أغلبهم طلعوا)

– إن شاء الله خير!

بدأ الليل يفرش عباءته على الوادي والخوف والندم يفترسانه، ويردد في نفسه، ترى هل أخطأ ببقائه؟

نظر إلى بناته وقد التصقن ببعض ولم يدخلن إلى غرفتهن للنوم.

– (عبدالقادر ، تهيالي نبي نولد؟؟)

كان هذا صوت زوجته وقد ثقب طبله أذنه، يا الله ما الذي تقوله وهل هذا وقته، يبدوا أن المخاض قد جاء باكراً من شدة الخوف:

– (لا، أي ولادة هذي، إمسكي روحك شوي نين يعدي الاعصار)

ردت وهي تتألم:

– (معش نقدر، شوف المية بدت تنزل)

قال في هلع:

– (أي المية؟؟)

نظر أسفل رجليها وقد بدأ رحمها يقذف ماءه، ويبدوا إنها ستلد، يا الله ماذا سيفعل، كيف يخرج بهم في هذا الوقت، لقد فات الأوان، صراخ زوجته أعاده إلى نفسه وكان عليه أن يفعل شيئًا.

الساعة لم تتجاوز الثانية بعد منتصف الليل، وتيرة العاصفة تزداد وصوت السد يزمجر في رأسه.

خرجوا وقد سبقن البنات إلى السيارة وهو يمسك بيد زوجته يساعدها على الجلوس إلى جانبه في الكرسي الأمامي، جلس أمام المقود شغل السيارة، ترى هل يستطيعوا الوصول الى المستشفى؟ تحركت السيارة بصعوبة فالماء بدأ يغرق الطريق ولا شيء يبدوا واضحاً أمامهم، لم يستطع أن يتقدم أكثر من هذه الأمتار القليلة وقد تسرب الماء إلى داخل السيارة …

زاد صراخ زوجته هي وتطلق ما في جوفها وقد توقفت السيارة عن الحركة فجأة، سمع صوت طفل صغير يبكي، أشعل ضوء هاتفه، رأى صغيره المعلق بحبله السري وهو يسبح بين ساقي أمه، زاد الصراخ علا وميض في السماء حل بعده ظلام دامس.

مقالات ذات علاقة

لحظة عابرة…

أحمد يوسف عقيلة

تاج الصحة

زمزم كوري

حرب السلاطين

محمد المسلاتي

اترك تعليق