زمزم كوري
دائمًا يخالجني ذلك الشعور، شعور بأن أخرج من المنزل دون وجهة، أن أمضيَ ساعات مشيًة على الأقدام، أمشي فوق أرصفة شوارع الحي، أن أنظر لصروف الزمان على وجوه المارة، أتأمّل في تلك المنازل وأسأل نفسي، كم من القصص والأسرار التي تخفيها تلك النوافذ والأبواب؟ أن أسمع ضجيج السيارات، وكأنما الأرض تئنُّ من تحت عجلاتهم، وكأنها استغاثة الموتى، وكأنما أحدهم يريد أن يعود، أن يتحصّل على حياة أخرى على هذه الأرض!
وأمضي في طريقي أقرأ جميع اللافتات وكأنني أقرؤها لأول مرة، لا بدَّ أن يكون لكلِّ لافتة قصة، لمَ لا وأنا أذكر جيدًا تلك اللافتة التي تحمل اسمين لأحد محال الذهب في شارع منزلنا القديم “خدوج وزمزم”! كنّا أنا وأختي في كل مرة نمرُّ بذلك المحل نتساءل، هل أبي وراء ذلك؟ لم يكن أبي بكل تأكيد، ولكنها كانت لأحدهم، لشخصٍ تعني له تلك الأسماء الكثير، ويبدو أنه يحب خدوج أكثر وكذلك زمزم، إنه حديث النفس الذي لا ينتهي. أسير بخطى متوسطة أراقب ظلي تارة وأنظر إلى السماء تارة أخرى، ودون أن ألفت الأنظار، ثم أدخل إلى أحد الدكاكين وأشتري قطعة حلوى وعصير برتقال، لكي أخفف وطأة التفكير لديّ.
وإذا كنت محظوظة كعادتي، أشتري باقات الورد، ثم أجد في طريقي مشفى، هناك حيث يمكنني أن أمعن النظر في وجه المرض وملامحه في أعين الذين أزاحوا تيجانهم، أواسيهم وأحضن صبرهم، أمسحُ الألم عن وجوههم، أدعو لهم الله أن يُفرّج كربهم.
المشفى بيت المرض والعلاج، رحلة الأشقياء الذين جاؤوا إليها ولا يعلمون إذا كانت نهايتهم محتومة أم لا، باحة السعداء الذين وهبهم الله أسباب الشفاء، الذين كرّسوا حياتهم لغيرهم، يمدون يد العون ويداوون جرح الحياة، هناك أحمل على كتفيّ باقة ورد لكل آيات الصبر، للذين يحاربون السقام، ثم أحمل تيجانهم إلى خارج المشفى، أُهديها لكلِّ من أقابله في الطريق، أضع له تاجًا ليتذكر، مهما كانت الحياة صعبة فهو ملكٌ بصحته، إنه التاج الذي يتمناه كل سقيم، تاج الصحة.