طيوب النص

حكاية مكابدات

الشاعر الليبي الجيلاني طريبشان

منتصف التسعينيات تقريبا، خرجت أنا والجيلاني طريبشان من مطعم في شارع المقريف، تمشّينا قليلا، وكان الوجوم يبدو واضحا على وجهه، حاولت جرّه للحديث، فوقف قليلا امام مقهى زرياب، واخذ يلتفت يمنى ويسرى، ولم يتكلّم أو يردْ على سؤال سألته اياه، ثم اشعل سيجارة ودخّنها متوتّرا، يعب الدخان وينفثه في تلاحق، ثم اشار بأصبعه، لنذهب إلى هناك، يقصد الفندق الكبير، جلسنا إلى طاولة وطلبنا قهوة.

الجيلاني ما زال في حالته المتوترة، لا اعرف ماذا يغلي في داخله، ثم اخرج ورقة بيضاء وبدأ يرسم شيء ما، خطوط متداخلة ودوائر، ثم قلب الورقة وكتب:

ما الذي جئت تفعله في بلاد لست تعرف فيها أحد
ما الذي جئت تفعله
لقد آن أن تستريح
ما الذي جئت تفعله
فالدوائر ليست كما تتراءى الدوائر
والشوارع عامرة…

هزّ رأسه ثم سألني: بماذا عامرة الشوارع يا ترى؟

قلت: لا أعرف!

نقر على الطاولة بقلمه عدة نقرات ثم قال آه:

والشوارع عامرة بالأفاعي
والبنات يداومن في الصبح في الثكنات…

ثم كرمش الورقة ودسّها في جيبه.

لنشرب القهوة ونغادر المكان، ما رأيك إلى اين نذهب؟ قال.

لنذهب صوب باب البحر، أجبت.

غادرنا الفندق ومشينا إلى جهة الميناء، باب البحر.

الليلة، ستكتمل القصيدة، غدًا أعطيك ايّاها لتقرأها.

هكذا ولدت قصيدة (مكابدات) التي عشتها مع الجيلاني، كما عشت معه قصيدة (حانة الرعب) التي كتبها ونحن في بغداد.


مقالات ذات علاقة

مَعْزُوفَةُ ضَوْءٍ وَعِطْرٍ لِرُوحِ شَاعِرٍ

جمعة الفاخري

امرأة ترقص على معزوفة البحر

المشرف العام

دروشة

ميسون صالح

اترك تعليق