متابعات

سعدون السويِّح يتأمل الكون الشعري للمتنبي

الدكتور : سعدون السويِّح

بحضور لافت وكبير اكتظت به قاعة المحاضرات نظم مجمع اللغة العربية بمدينة طرابلس صباح يوم السبت 2 من الشهر الجاري محاضرة للدكتور “سعدون إسماعيل السويِّح” بعنوان (المتنبي وكونه الشعري: تأملات في شعر أبي الطيب المتنبي)، وذلك ضمن البرنامج العلمي والثقافي للمجمع لعام 2023م، وقدم وأدار المحاضرة الدكتور “الصديق بشير نصر”، وبيّن الدكتور سعدون في محاضرته جوانب متشعبة من شاعرية المتنبي مضيئا من خلال البحث في مفاتيح شعره والروافد المساعدة لتجربته الأدبية، راصدا رؤى المتنبي للحياة والوجود ككل، واستدل الدكتور سعدون بمجموعة من قصائد المتنبي محاولا استنباط ماوراء النص وقصدياته والخروج بقراءات جديدة تضيف للمتلقي وتثري معرفته بالمتنبي، وطرح الدكتور سعدون عدة محاور شرّع بواسطتها أبواب النقاش، وهي محور البحث عن البطولة والمثل الأعلى، ومحور التمرد على الواقع، ومحور المعاناة والانكسار، ومحور القلق الوجودي وهاجس المصير، الجدير بالذكر أن الدكتور سعدون السويِّح من مواليد مدينة الخمس عام 1947م حاصل على درجة الليسانس في اللغة الإنجليزية مع مرتبة الشرف الأولى من كلية التربية بالجامعة الليبية عام 1969م، ونال درجة الماجستير في علم اللغة التطبيقي من جامعة شمال ويلز بانغور ببريطانيا عام 1974م وعلى درجة الدكتوراه في ذات التخصص من جامعة إنديانا بلومنغتون بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1979م صدرت له العديد من الأبحاث اللغوية والترجمات الأدبية.

الرؤية الكونية للشاعر

واستهل الدكتور سعدون حديثه موضحا بأن مصطلع الكون أو الكون الشعري ليس مصطلحا مستقرا تماما في الأدبيات، وتابع قائلا: ربما الكون الشعري هو ذلك النسيج العام الذي يربط قصائد الشاعر هي تلك الرؤية التي نريد أن نجدها تتخلل جميع قصائد هذا الشاعر أي المتنبي فلا تكفينا قصيدة واحدة أو بيت شعري واحد بل نريد أن نرى عالمه الشعري كاملا ورؤيته للناس وللحياة وللأشياء، وأضاف أيضا بالقول : هذا ما قصدته بمصطلح الكون الشعري والكون يوحي بالاتساع وعالم الشاعر لاسيما الشاعر المُجيد ذو الرؤية هو شاعر له كونه وله عالمه وخصائصه التي علينا أن نتلمسها وأن نجدها، وأشار الدكتور سعدون بأن المتنبي رجل شاعر عاش في الدنيا نحو 52 عاما فهو من مواليد 303 للهجرة من أعيان القرن الرابع، وقضى نحبه على يد “فاتك الأسدي” موضحا أن المتنبي مات ميتة شاعرية فقد قاتل حتى قُتل عام 354 وأردف بالقول : المتنبي لم يعش فترة طويلة بيد أنه ترك كل هذا الأثر العظيم في الأدب العربي، وتحدث الدكتور سعدون كذلك عن شرح البرقوقي لشعر المتنبي مؤكدا بأنه من أفضل الشروح باعتباره شرحا ثريا ومكتملا يعطي القارئ صورة كاملة عن المتنبي ويغني عن الانصراف إلى أية شروح سواه.

المزاعم حول معجزات المتنبي


فيما أشار الدكتور سعدون في معرض استطراده بأنه ليس بصدد مناقشة قضايا تناولها القدماء والمحدثون والمستشرقون، وأسرفوا في الحديث عنها اسرافا واضحا على حساب النص الشعري للمتنبي، وأردف بالقول : أنا لا أهتم كثيرا بما قيل عن المتنبي عن مسألة النبوءات فهنالك من نسب إليه حدوث المعجزات مثل زعم البعض حول تنبؤه وإدعائه النبوة في بادية السماوة، وهل سُجن بسبب ذلك أم سُجن بسبب مطاردة العلويون له، وأكد الدكتور سعدون أنه سواء تنبأ أم لم يتنبأ أعتقد بأن النبوءة الكبرى للمتنبي تكمن في شعره الذي بقي وعاش على مر الزمن، وتناول الدكتور سعدون محور البحث الأول عن بطولة المتنبي والمثل الأعلى مشيرا إلى ما قيل عن مسألة قرمطية المتنبي واستهواء المتنبي لنزعة القرامطة حسبما يشاع مضيفا بأن القرن الذي عاصره المتبني وعاش فيه عُرف بالاضطرابات وتفشي الفتن وربما يكون اتصل بشكل أو بآخر بالقرامطة وربما استهوته بعض آرائهم لكن ليس لدينا أدلة قاطعة تثبت أو تنفي ذلك، كما دعا الدكتور سعدون إلى عدم الالتفات لكل هذه المزاعم الجانبية والاتهامات المباشرة وغير المباشرة لأنها ستفسد متعة النص الشعري وتأتي على حسابه.

خواص شخصية المتنبي


في المقابل أضاف الدكتور سعدون أن اهتمامه بتجربة المتنبي الشعرية جعلته يبحث عن اكتشاف كلمة السر التي نستطيع من خلالها أن نلج عالم هذا الشاعر، بعبارة أدق يوضح الدكتور سعدون أن الهدف هو أن نتخذ من شعره مفتاحا لحياة لا من حياته مفتاحا لشعره، مردفا بالقول : بأن المتنبي نفسه كان شديد الادراك أن العثور على كلمة السر أمر صعب فكان يُفسِّر دائما أي المتنبي بأنه شاعر صعب، من جهة أخرى أشار الدكتور سعدون إلى أن الفرد في شعر المتنبي يتجاوز نفسه بشكل يستحضر فكرة (السوبر مان)، وأكثر من لمس هذا الأمر هو الأديب الراحل “عباس محمود العقاد” عبره تحديثه النيتشوية وفكرة الإنسان المتفوق الإنسان الذي يغتصب العالم اغتصابا، ويُضيف الدكتور سعدون أن الأنا المتعالية بدأت مع المتنبي مبكرا منذ صباه الأول فكان المتبني يهجس دائما ببحث دؤوب عن البطولة عن تحقيق الطموح يريد أن يكون شيئا مذكورا ألا مروره مرورا عابرا كغيره من آلاف البشر فانطلقت رحلة المتنبي القلقة، وهو يفتش عن مثله الأعلى وعن بطولته، بينما تطرق الدكتور سعدون لتقلبات المتنبي وتأرجحه ما بين نزوعه للتمرد على واقعه وعلى من حوله وعلى اللغة وعلى نفسه فقد خاض المتنبي حسب الدكتور سعدون حالة تحلل من كل شيء تقريبا فملامح اللامنتمي كانت جزء من شخصيته ثم انكساره ومكابدته الطويلة علاوة على ما استبد بالمتنبي من قلق متصل بالبُعد الوجودي ومآل المصير.

مقالات ذات علاقة

يوسف القويري . . مسيرة ستون عاما

ناصر سالم المقرحي

مركز الدراسات التباوية ينظم ندوة دولية عن الثقافات المحلية

مهند سليمان

حَفل تَأبين للدكتور الهَادي مصطفى بولقمة عَميد الجّغرافيين الليبيين في بَنغازي

المشرف العام

اترك تعليق