من أعمال الفنان محمد الشريف.
المقالة

عام جديد.. بجروح قديمه

يقبل هذا العام من بعيد يتوكاْ على عكازين.. وسيشهد مرور قرن كامل على اندلاع الحرب العالميه الاولى وخمس وسبعون سنه على الثانيه. اعوام من المجاعات والاوبئه والدم. كل ذلك سيتكرر ثانية وثالثه الى مالا نهايه.

عندنا فى ليبيا.. ستمر فى هذا العام الرابع عشر بعد الالفين ستون سنة على اغتيال ابراهيم الشلحى. شرخ احدث تداعيات وسلبيات فى العائله ثم الوطن. تاْسست مدرسة الزاويه العسكريه وخرجت دفعتين من ضباط الوطن فى العام نفسه. وستمر فيه هذا الذى جاءنا خمسون اخرى على عقد اول قمة عربية فى الكنانه احتجاجا على محاولة تحويل روافد مجرى نهر الاردن. اْيام الحلم بالوحده التى مايغلبها غلاب ثم انفرطت واضحت (كسكسو). وعلى مظاهرات الطلبه تاْييدا لتلك القمه فى بنغازى ثم الزاويه والجميل وسقوط ضحايا وجرحى. وعلى اول حفل تخريج للطلبه تقيمه الجامعه الليبيه. وعلى تاْسيس الحركه الكشفيه وانطلاق اول جمعيه للنهضه النسائيه فى بنغازى على يد امراْه اسمها حميده العنيزى.. وعلى صدور صحف الحقيقه والايام والبلاغ والحريه ثم الميدان.. صحافه مستقله تبذر التنوير وتحرث فى الارض البكر. واول عدد من مجلة جيل ورساله عن كشاف ليبيا التى غدت مطبوعة هامه ورائعه ثم توقفت مثل سابقاتها..وعلى وفاة الشيخ ابوالاسعاد العالم رئيس الجمعيه الوطنيه التى وضعت دستور الاستقلال واول مفتى للبلاد. والروزنامه طويله وحافله.. لدينا ولدى ماحولنا.

مرحبا يامن يتوكاْ.. ثم سيرمى بالعكازين ويبداْ فى العدو. ياْتى بعد مسيرة قرن من الحزن والتفاؤل والحلم بالدوله الوطنيه..والحكومه الوطنيه.. والقرار الوطنى. ياْتى من بعيد والثورات فى الربيع وغير الربيع لم تزهر. اسقطت نظام الرجل الواحد المفعم بالديكتاتوريه لكنها لم تسقط نظام الجماعه. سقط الرجل الواحد والصوت الواحد لينشاْ عنه انظمة مثله واصواتا مثله وغطرسة مثله واكثر ديكتاتوريه.. فماذا بقى من الحلم؟

كان المواطن البسيط فى هذا الحزام النارى المشتعل يحلم بالعيش الكريم. لايريد ان يكون وزيرا او زعيما او رئيسا لحزب او جماعه. يريد امن وخبزا وسيجاره وصحيفه ذات ورق نظيف ويستمع الى الراديو ويشاهد التلفزيون وينصت الى السيد بومدين وفيروز وناظم الغزالى ووديع الصافى.. طل الصباح وزقزق العصفور. يريد الهناء والراحه على امتداد المنطقه فى سوق احداش او سوق الجمعه او تاورغاء او سوق الحميديه او خان الخليلى او شارع الحبيب بورقيبه او عند ابواب صنعاء غير السعيده.. صار يشرق فى فنجان قهوته.. صار يعرج فى مشيته.. يدوخ ويدق قلبه عندما يسمع اول انفجار او طلقة رصاص او خرطوشه فى فرح حتى مع الكشك والعلم.

صار المواطن البسيط يدفع مقدما وبالاجل ثمن الصراعات والانانيه..وصار الدين الذى يعرفه باْنه منتهى العقل والحكمه والحريه وانه فى قوب المؤمنين وانه بالتقوى وليس باللحى او السراويل القصيره او الانقبه.. وظل يدفع الثمن بلا انقطاع.

من المحيط الى الخليج الحال (من بعضو). يتجدد الخوف وتطلع ثقافة جديده.. تطورت وتناسلت مثل الدود وفرخت المزيد من العنف والحقد والانتقام دون مبرر. صار الجلوس فى مقهى او مربوعه او السير فى الطريق او الزنقه او الخروج لصلاة الفجر او حضور سهريه او فاتحه.. مشكله ويحسب لها الف حساب. تونس هى ليبيا هى مصر وسوريا اسواْ والعراق.. والعراق عينى داى!!

اضحى الربيع العربى الذى حلمت به الجموع التى عانت من الكذب لتحرير فلسطين وصارت رفيقة للفقر والتخلف مجرد غرائز للتنفيس عن القتل والدم ومصادرة الاخرين والخطف والتعصب للراى الاعمى الحاقد. لم يعد الربيع زهورا او فكرا حقيقيا يبشر بحالة الانتقال الحقيقى من ايام اللاانسانيه واللاعداله واللاديمقراطيه. لم يرتفع الربيع اكثر ولم تفح عطوره.. بل نزل وفاحت رائحة الشياط !!

ياسيدى المواطن العاثر حظه.. النادب طالعه كل مايحدث ليس خطاْ فحسب. انه الكارثه المتجدده والحريق الذى لاينطفىْ بسهوله. هل كنا نحلم مثلا فى ليبيا فى اى يوم من الايام حتى فى زمن قائد الخيمه الاوحد المتوحد.. دعك من سنوات قبلها طبعا.. هل كنا نحلم بمثل هذه اللحظات وهذه التداعيات وهذه الانفجارات. قد يقال انه ثمن التغيير. كويس. لكن السىْ يقود الى الاسوء.. والعمى عمى البصيره ومايبنى على الباطل فهو باطل. وقطرة الدم تسيل اودية من الدماء. وهكذا اْيها الوطن والمواطن.

ان الدول المتحضره او التى تريد ان تتحضر حجر اساسها هو الحريه والتسامح الحقيقى واعطاء كل حق حقه بالانصاف والمساواه وقبول الاخرين والارتفاع عن الصغائر والحلم بشمس دائمه لاطفالها وهواء متجدد ونقى يطرد الفاسد والقبيح. والشعوب لاتنهض من كبوتها بالانانيه والعناد و(تسكير الراس) والفلتان والخبل والصياعه والزعرنه والتمتيع والتمديد. كان كل ديكتاتور يمدد ويجدد بنسبة 99 فى المائه ونحن نفعلها مائه فى المائه. الفتوه لاتصنع بلادا. لاتبنى اجيالا. انها ترفع فى عصابات الشوارع وحواف الازقه والارصفه عقب مباراه فى الكره او طرح كارطه. لاتحقق كرامه.. لكنها تجللنا بالعار والجنون. تجعلنا اقرب للاقامه فى مصح عقلى محاط بالاسوار العاليه.

الاوطان تمضى مع الاعوام وعبر القرون لتنسى ماضيها السىْ الذى زال.. وتاْخذ منه الايجابى والحسن والراشد. لاتولى ظهرها له ولا تغمض عيونها عن المستقبل واحتضانه. مايحدث خطاْ وعلى الشعوب ان تصحح مسارها. نحن على بعد اْيام من مرور ثلاث اعوام على بدايتنا فى فبراير.. بدايتنا التى تشوهت وماتزال.

ان الروح المتوهجه الناظره الى البعيد.. روح العقل والثبات.. روح مثل شعرية شيخ شاعر اسمه اشريف السعيطى.. نحتاج الى مثلها فى كل وقت. لقد هتف فى الاربعينيات الماضيه عندما قاربت البلاد على السقوط فى هاوية التقسيم او الوصايه وتعددت الاراء والاطماع.. قائلا. (نحن بلاهم مانقدعوا منهوبه…. وهما بلانا مايقطعوا ها الجوبه)!! فى اشارة واضحه وجليه لمن يفهم ولمن لايفهم ايضا باْن ليبيا امنا جميعا وهى واحده.. هى برقه وطرابلس وفزان. لافرق. من يسمع اليوم فى مطلع هذا العام الرابع عشر بعد الالفين؟! وهل نحلم معا بنفجان قهوه.. مع قليل من الانبساط. وكثير من استعمال العقل لاالبارود والقنابل. وكل فنجان قهوه.. وعام وانتم بخير !!

مقالات ذات علاقة

حكومة .. وكفى !!

ناجي الحربي

ما بعد صوت الربيع العربي: لا صوت يعلو على صوت الثقافة

أحمد الفيتوري

هل يغلب الشعر الزمن؟

عبدالرحمن شلقم

اترك تعليق