ربما القليل من القراء يعرفون من هي روزلين فرنكلين، وحتى العارفين لا يعلمون اهمية دورها في احد اهم ااكتشافات القرن الماضي، الا وهو الكشف عن تركيب الحمض النووي. فالمتعارف عليه ان الحمض النووي ثم كشف تركيبه على يد العالمين جيمس واطسون وفرنسيس كريك اللذين نالا جائزة نوبل على هذا الاكتشاف. وللحقيقة، هذين العالمين لم يكونا سوى “سارقي” لفكرة تركيب الحمض النووي، فقد تركز عملهما في كشف التركيب على افتراضات لم تكن كافية لرسم الصورة النهائية لهذا المركب، كما وكان ينقصها الدليل العلمي، وقد كانت روزلين هي صاحبة الدليل العلمي الذي اوضح الصورة للتركيب الذي تبناه واطسون وكريك ونسب اليهما.
في منتصف القرن العشرين، وبعد ان اكتشف جورج مندل الصبغيات الوراثية التي تحمل شفرة الخواص الحيوية التي يتميز بها نوع عن اخر وشخص عن اخر، اصبح هناك سباق حميم ومحموم ايضا من اجل الوصول الى التعرف على اشهر الجزيئات الحيوية، الا وهو السباق من اجل الوصول الى تركيب الحمض النووي. كانت تقنية انحراف الاشعة السينية (x-ray diffraction) وليدة في حينها، وقد استخدمت هذه التقنية على نطاق واسع في مجال التعرف على توزيع الذرات في المركبات الكيميائية المنتضمة التركيب، اي تلك التي تكون في شكل بلوري. روزلين فرنكلين اشتهرت بخبرتها العالية في استخدام تقنية انحراف الاشعة السينية في دراسة توزيع الذرات في الجزيئات الكيميائية، وتميزت روزلين في دراسة المواد المائعة التي يصعب تفسير طيفها السيني نتيجة عدم انتظام تركيبها، هذه الخبرة الاستثنائية في زمنها جعلت منها الشخص المناسب في التعرف على تركيب الحمض النووي، الا ان خلافها مع زميلها ماوري ولكانس رجل الفيزياء النووية الذي انتقل الى مجال الفيزياء الحيوية السلمي بعد ان شارك في صناعة القنبلة الذرية في المشروع الذي كان يعرف بمشروع منهاتن، هذا الخلاف دفع بروزلين للاستقالة من وظيفتها بكلية لندن الملكية، الا ان مذكراتها وتقاريرها العلمية ضلت بحوزة هيئة البحوث الطبية البريطانية التي كانت تشرف وتنفق على مشروعها. وبعد مغادرتها للكلية الملكية تمكن كل من واطسون وكريك من الوصول الى مسوداتها وتقاريرها التى لم تنشر حول تركيب الحمض النووي، وكانت هذه التقارير تحوي مفتاح تركيب الحمض النووي الذي لم يكونا قادرين في التوصل اليه لو لم يصلا الى مذكرات روزلين غير المنشورة عن طريق صديق لهما يعمل بهيئة البحوث الطبية البريطانيا.
ماتت روزلين في العام 1958م عن عمر لا يتجاوز 38 عاما، تاركة ورائها اماطة اللثام عن احد اعظم اكتشافات النصف الاول من القرن العشرين. لكن ….. الذي قد لا يصدقه الكثيرين، ان روزلين، رغم خبرتها العريضة ومشاركاتها المتعددة في مؤتمرات علمية عالمية وحوارتها مع اقطاب العلم في زمنها الا انها لم تحضى بوجبة غداء في صحبة اي من هؤلاء العلماء وقادة البحث العلمي العالمي، والسبب الذي لا يدركه الكثيرن وقد نصطدم بمعرفته ان العادة المتأصلة في عزل النساء عن الرجال كانت سائدة في اوربا وقتها، فالنساء على زمن روزلين لم يكن يسمح لهن بالاكل على نفس المائدة مع الرجال. هذا حال اورباء من مدة لا تتجاوز 60 عام مضت وهذا واقع روزلين الذي عاشته حينها.
هادية طاجيك ، ولدت في قرية نرويجية صغيرة لابوين مهاجرين من اصول باكستانية، أكملت دراستها الاساسية في النرويج, ثم درست في المملكة المتحدة في جامعة كينغستون فحصلت منها على شهادة البكالوريوس، ثم تحصلت على شهادة جامعية أخرى من جامعة ستافنغار بالنرويج في الصحافة، توجهت بعدها إلى جامعة أوسلو لدراسة القانون فحصلت منها على شهادة الماجستير.
ناشطة في حقوق الانسان، ولها مواقف مبدائية لا تحيد عنها رغم التحديات التي قد تواجه اصحاب المبادي السياسية خاصة. بدأت هادية حياتها العملية في مجال الاعلام، وكانت وفي سنها المبكرة احدى قيادت الروابط الشبابية النرويجية قبل ان تصبح عضوة برلمان. عملت في الفترة من 2006 الى 2008 مستشارة لوزير العمل النرويجي السيد بيارني هانسون، ثم اصبحت في العام 2008 مستشارة مؤقته لرئيس الوزراء العمالي السيد ينس ستولينبيرق، ومن بعد انتقلت وربما بسبب نشاطها في ملف حقوق الانسان الى منصب مستشار سياسي لوزير العدل السيد كنوط ستوربيرقت، وقد تقدمت وهي في موقعها هذا، واثناء عملها كمستشارة لوزير العدل، بالاشتراك مع زميلتها المستشارة استري هانسون تقدمت بمقترح يسمح للشرطيات بارتداء الحجاب اثناء العمل. كما لم تكن تخفي مساندتها للحق الفلسطيني، وكثيرا ما تظهر مرتدية للشال الفلسطيني المميز، والذي اصبح عادة ما يتخد رمزا للمقاومة ولمحاربة العنصرية.
واخيرا، تمكنت هادية في عمرها المبكر من ان تصبح عضوة برلمانية عن حزب العمل الذي تنتمي اليه، ممثلة لمدينة اوسلو العريقة في انتخابات عام 2009، لتصبح اول عضو مسلم في برلمان النرويج. وفي البرلمان النرويجي عينت هادية عضو اللجنة الدئمة لشؤن التعليم والبحث العلمي وشؤؤن الكنيسة، وهي لجنة برلمانية تهتم وتقوم برسم سياسات التعليم والبحث العلمي. كذلك نالت عضوية اللجنة الانتخابية التي تشرف على تعيين اعضاء البرلمان في اللجان البرلمانية المختلفة.
في سبتمر من العام الماضي تم اختيارها من قبل رئيس الوزراء العمالي السيد ستولينبيرق لتكون اصغر وزير في وزارته ولتتولي حقيبة وزارة الثقافة، وبالتالي تكون اول وزيرة مسلمة في حكومة اوسلو وثاني وزيرة لا تنتمي عرقيا للنرويج، وعمرها عند تعينها لم يتجاوز 29 عام، وهكذا تبوأت هادية او بوئت موقعا في اعلى السلم القيادي.
بين “واقع” روزلين الانجليزية و”موقع” هادية المسلمة ذات الجدور الباكستانية عقود لاتتجاوز السبعة عقود، هذه العقود السبع على قصرها تحررت فيها اوربا من النظرة الدونية للمرة على مستوى الوطن، والاهم على المستوى الانساني تحررت فيها من التعالي على كل ما لا ينتمي الى فضاء وعرق القارة البيضاء، بينما ظللنا نحن رهن القرن العاشر الميلادي، نعيش على التخلف الذي كرسه ذلك العصر، فلا استطعنا اعادة امجاد االقرون الاولى ولا خلعنا عن انفسنا عباءة الانحطاط لنلج الى رحاب المستقبل فنسهم في بناءه، بدلا من ان نعيش على فتات صناعه.
لقد تاثرت كثيرا للخبر الذي ورد على صفحات ليبيا المستقبل عن المقابلة التي اجرتها محطة السي بي اس الامريكية مع ارملة المغدور به المدرس الامريكي باحد مدارس بنغازي روني سميث حيث قالت انها سامحت فتلت زوجها وتمنت لليبيا ولليبيبن كل الخير.
قد يضن البعض اني امجد الغرب بهذا الحديث عنه، واود ان اقول لهؤلاء الذبن تذهب بهم الضنون هذا المذهب ان الغرب لا بحتاج لتمجيدي، لكني اتحسر ونحن من ورثنا اخلاق النبوة، وحملنا تعاليم السماء، ان تقصر عقولنا على فهم مقاصد الشرع الذي ندعي اننا حملته، ونتصارع على وسخ الدنيا حاملينا شعارات لا نفقهها، وان فقهناها لا نعمل بها.
اذكر حين عدت الي ليبيا من المملكة المتحدة بعد التحرير اني نزلت بمطار مصراته، وقد تسنى لي الحديث الى احد الثوار الشباب، وكان اولى اسئلتي له عن تعاملهم مع الاسرى فلم يخفي عني سوء معاملتهم، وربما ببعض الفخر قبل ان يسمع تعليقي. قلت له ان الثورة قامت من اجل كرامة الانسان، وقامت لاجل ان تغيير نمط التعامل مع هذا الانسان ومن اجل حفظ كرامته، فإن كان سلوكنا مع المخالفين لنا هو نفس سلوكهم معنا فلا معنى للثورة.
هذه هي القيم التي نعتقد ان الاديان جات بها وجأت لتكريسها دون تمييز ودون انتقائية، فإن اختلطت بانتقائية الهوى البشري فقد سقطت من علو القيمة الى وحل الهوى الذي لا يرتجى خيره. واحب ان اقارن هنا بين الموقف المتسامح لتلك الارملة التي رزحت في زوجها من قتلته، وبين قتلت زوجها، وبين موقفها وموقف العديد من الليبين من جيرانهم ودويهم، فعوقبت مدن كاملة بجريرة بعض ابنائها، وتستر العديد من القبائل على جرائم ابنائه، ولم يخجل البعض من مناصرة من سد منافد الرزق ومصادره على اخوانه تحت حجج واهية، وكلهم يتجه خمس مرات صوب القبلة.
ما احوجنا ان نتعلم من اورباء قيمة الانسان الذي تحرك من اجله الاساطيل، واحترام الغير مهما كان لونه او لغته اوعقيدته فيتبواء المنصب الذي يستحقه، ويكافاء على ما يقدمه، ولسنا في حاجة الى ست عقود حتى ننتقل من واقع روزلين الى موقع هادية.
والله من وراء القصد
نينق بو- الصين في 20/12/2013