المقالة

حكـايـة الإنـسـان

 

لكل بداية نهاية، تفصل بينهما حكاية، تُروى بألف رواية، نجدها في صفحات الكتب، تحتمل الصدق والكذب، الإيجاز والتفصيل، الأخذ والعطاء بالتأويل.

فمثلاً: بداية الكلمة هي حرف ونهايتها حرف آخر وما بينهما معناها، وبداية الجمل الأسمية هي المبتدأ ونهايتها الخبر، أما الجمل الفعلية فتبدأ بالفعل وتنتهي بالفاعل، وإلا سوف تكون جمل غير مفيدة ولا معاني لها، والخلق كانت بدايته كلمة (كُن) وهي جملة فعلية أسلوبها أمر، لأنها ابتدأت بفعل أمر وهوَّ (كُن) وانتهت بالفاعل وهوَّ ضمير مستتر تقديره (أنت)، وما بين البداية والنهاية هنا هي حياة الدنيا، كانت هذه الأمثلة للبدايات والنهايات لحكايات أردناها مقدمة لمقالنا هذا.

إلا أن هناك حكاية تختلف كل الاختلاف عمَّا سبقتها من حكايات، وهيَّ حكاية الإنسان، فحكايته تبدأ بميلاده وتنتهي بوفاته، والفاصل بينهما حكاية عمره، ونهاية الإنسان (الوفاة) هي البداية الحقيقية لحكاية أُخرى، أو بمعنى آخر، هي بداية الفصل الثاني والأخير من حكايته، لأن الإنسان يولد من العدم بقدرة الله تعالى وينتهي به المقام إلى اللحد، أي إلى حالة العدم ثانية ً، ثُم يُبعث مجدداً، فيكون مبعثه بدايةً لحكاية ليست لها نهاية،فإما أن تكون هذه النهاية السعادة إلى ما لا نهاية، وإما أن تكون الشقاء والخلود في الهاوية.

وبعد الإيجاز ندخل الآن إلى التفصيل، لنحاول أن نجد حكاية شبيهة بحكاية الإنسان، فليس ثمة حكاية شبيهة بها إلا حكاية واحدة، وهيَّ حكاية الأرقام، لكونهما تشتركان في خاصية واحدة وهي أن لكلتيهما بداية وليست لهما نهاية، فحكاية الأرقام تبدأ من الرقم واحد ولا تنتهي أبداً، هذا إن عددناها، بل سنصل بعد حين من العد إلى رقم معين لا نستطيع تجاوزه إلى الرقم الذي يليه، لأننا سنعجز عن ذكر خاناته، لأنه مكوّن من عدد لا نهاية له من الخانات ومرفوع الأس إلى قوة ليس لها حد، وبالكاد نستطيع أن نذكر منه الخانات الثلاث الأولى وهي خانة الآحاد والعشرات والمئات، وعبثاً لو حاولنا العد، فسيضيع مجهودنا سُدى وبلا طائل، ونصبح كمثل من غرق في الوحل ويرى في الأفق الممتد وبعد هذا الوحل الذي يتخبط فيه، أن ثمة مشواراً طويلاً أمامه، عليه أن يقطعه بمجرد أن يخرج من هذا الوحل الذي علق به، ولكن دونما جدوى.

قد يبدو لقارىء هذا المقال، أن المفردات قد تكررت وتداخلت فيما بينها، ولكن ليس بالامكان أبدع مما كان لإيضاح الفكرة، ولأن لكل بداية نهاية، فقد ارتأينا أن نكتفي بهذا الحد، لنجعل لهذا المقال نهاية.

مقالات ذات علاقة

من مكة إلى هنا

أحمد الفيتوري

لماذا يخشى المجتمع الليبي الطب النفسي؟

إنتصار بوراوي

ما عادت الأرض «بتتكلم عربي» يا سيّد!

سالم الهنداوي

اترك تعليق