الذكرى 50 لرحيل الشاعر الليبي الهادي عرفة
محمد الهادي عرفة
هبّ النسيمُ مضمّخَ الَنْـ ـنَفحاتِ من نَدٍّ وطيبِ
والجوُّ مَجلوُّ الصَّحيـ ـفَةِ مثلُ مَغفورِ الذنوب
والطيرُ أمّتْ وكرَها والشمسُ مالت للغروب
ومروجُ برقةَ تحتفي للركب في حشدٍ مهيب
والركبُ يدأب ضارباً بين السباسب واللهوب
حاديه يبعث لحنَهُ مترنّماً كالعندليب
وزعيمُه كالصقر مُنْـ ـطَلِقٌ على طِرْفٍ ذَنوب
قد سار يقدم قومَه بين التجذّب والخبيب
نَدْبٌ نجيبٌ يمتطي صهواتِ مُنجردٍ نجيب
ما زال ينتهب الخُطا في يقظة الحذرِ الأريب
حتى اعتلى هَضَباتِ «دَرْ نَةَ» وانياً كالمستريب
وأطلّ من أعلى الذرى يرنو إلى المهوى الرهيب
ثم انثنى مستبشراً وعدا يُلوّح بالقضيب
ويصيح يا قومُ انظروا يا قومُ للعجب العجيب
فقِفوا هنا بُشرى لكم إني عثرتُ على قليب
ومررتُ ثَمَّ بمعبدٍ وبشاطئٍ ضَحٍّ رحيب
وبمكمنٍ ناءٍ ومَرْ عًى للعروبة غيرِ موب
سِيروا فُرادى واهبطوا عُوجوا لمنحدرٍ قريب
هيّا نُؤسّس «درنةً» في ذلك السهلِ الخصيب
بين الربا والظِلِّ والنْـ ـنَسَماتِ والماء العَذوب
ألقوا عصا التسيارِ واجثوا باسمِ علاّمِ الغيوب
يا بنَ الجزيرةِ وابنَ ها تيكَ الفدافدِ والسهوب
يا بنَ الأُلى فتحوا الدُّنا يا بنَ العظائمِ والحروب
يا بنَ العروبةِ كنتَ ذا ذوقٍ وذا رأيٍ مُصيب
تاللهِ ما صدقَ الأُلى اتْـ ـتَهموكَ بالفعل الجديب
هاجرتَ تجتاز المفا وِزَ غيرَ خَوّارٍ هَيوب
وسعيتَ تنشر دينَ أحْـ ــمَدَ جاهداً بين الشعوب
ثم استقرّ بكَ النوى ونزلتَ في الوادي العشيب
وبنيتَ «درنةَ» حيث قد جنّبتَها شَرَّ الخُطوب
أسّستَها بين الجِبا لِ الشُّمِّ والبحر الصخوب
والجدولِ الرقراقِ والْـ أزهارِ والغصن الرطيب
وجعلتَها مُتنزّهاً يسبي بُنَيّاتِ القلوب
فكأنما هي روضةٌ غنّاءُ تزخر بالطيوب
أو غادةٌ برزتْ ضحىً تختال في ثوبٍ قشيب
البحرُ يُزبد غاضباً والطَّوْدُ يشمخ في قُطوب
والماءُ فاض جرى فها مَ، يسيل في ذاك المسيب
كلٌّ يروم الوصلَ مِنْ حسناءَ كالرشأ الربيب
هيهاتَ وصلُ الرَّوْدِ ذا تِ الدلّ والكفّ الخضيب
ستظلّ فاتنةً وها جرةً على مَرّ الحُقوب
يا «درنةَ» الخيراتِ يا أمنَ المروَّع والغريب
يا زهرةَ الشطآنِ والْـ أمصارِ يا سلوى الكئيب
هذي تحيّةُ مُعجبٍ بجمال واديكِ الخصيب
أهدي إليكِ أريجَها معطارةً ريّا النسيب
وإلى بنيكِ الخَيّريــ ــنَ الغُرِّ شُبّانٍ وشِيب
المصدر: موقع مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية.