كوثر الجهمي
المرحلة الثانوية كانت الفاصلة، إذ قلّت تدريجيًّا ممارستي للرسم، خاصّة مع إلغاء حصته من الخطة المنهجية، في المقابل كثرت قراءاتي.
عرّفتني أستاذتي التي صادقتها “د. انتصار الشريف” على غادة السمان، وأعارتني كثيرًا من كتبها التي حرصتُ على اقتنائها لاحقا بعد سفر معلمتي للماجستير… تلك كانت مرحلة التحوّل والفهم والوعي بما أودّ حقًّا إنجازه.
لعلّي كنت محظوظة إذ تفتّحت عيني على الأدب من خلال غادة السمان أوّلًا، ثمّ “الأيام” لطه حسين، ثمّ أحلام مستغانمي بـثلاثية “ذاكرة الجسد”، ونزار قباني الذي قرأتُ له سيرته الذاتية قبل دواوينه ما ساعدني على فهم شعره أكثر، ثم توالت الاكتشافات.
أقول أني محظوظة؛ فبوابتي كانت عبر أدب غادة السمان، لأنها كاتبة شاملة إن صحّ الوصف، تكتب في شتى الصنوف الأدبية، بدءًا من الشعر النثري، مرورًا بالقصة القصيرة والرواية، وصولًا إلى أدب الرحلات والمقالات، إضافة إلى الحوارات والمقابلات التي حرصتْ (مشكورة) على جمعها في كتب ضمن مجموعتها “الأعمال غير الكاملة”. يمكنني اعتبار نفسي دخلت مدرسة غادة السمان للأدب، إذ يصحّ ذلك وقد عرفت مبكرا الفرق بين الرواية والقصة، وأصول كتابة المقال وطرح الأسئلة. عرفتُ هذه الأمور، من الملاحظة والتشبع قبل أن أعرفها من خلال كتب ومقالات أصول الكتابة. وظننتُ أن كل من راودته فكرة تأليف كتاب –ولا بد- قد وصل إلى هذا المرحلة بنفس الطريقة.
تحتفظ أختي فتحية الآن بمخطوطة من الشعر النثري، كُتبت بين العامين 2001 و 2002 تقريبًا، كتبتها بخط يدي، في هيئة كتاب، على ورق A4، وكنت فخورة بها، ولا آمل الآن من عزيزتي فتحية إلا أن تحتفظ بها في أدراجها، اللهم نسألك الستر! فقد كان أسلوبي فيها مطابقًا لأسلوب غادة.
تلك المخطوطة أشبعتْ ما يمكنني اعتباره نزوة نشر الكتاب الأولى، رغم أنه لا أحد –حرفيًّا- قرأها غيري. (وقد تكون شقيقتي قرأتْ بعضًا منه).
بعد 16 عامًا، حين باشرتُ كتابة روايتي الأولى، خفتُ أن تكون مجرّد نزوة، وراهنتُ على الوقت، إذ لا شيء نمنحه وقتنا سواء كنا مهيئين نفسيًّا أو لم نكن، إلا أن نحمل إيمانًا قويًّا به. وفازت رواية “عايدون” بالرّهان.
أعتبر نفسي محظوظة أيضًا إلى حدّ ما في الكيفيّة التي توالتْ بها تجاربي؛ إذ تدرّجتُ فيما يمكنني وصفه “برحلة الكتابة” أو رحلة الانضمام إلى “عُصبة المؤلفين”، أو رحلة الهجرة إلى “أُمّة الكُتّاب” بشكل منطقي وسليم (على ما أرجو) دون تخطيط مسبق أو وعي تامّ، ولاحظتُ لاحقًا لكثرة ما سمعتُ من البعض رغبتهم في تأليف كتاب، لاحظتُ أن الممرات التي عبرتُها كانت مجهولة تمامًا لكثير من هؤلاء الشغوفين بكتابة الكتب، وشعرتُ برغبة عارمة في مشاركة تجربتي، لعلّي أمهّد طريقًا يسلكها اسمٌ نفخر به يومًا ما.
يتبع…