المقالة

إشكالية التصحيح اللغوي

من أعمال التشكيلي الليبي محمد الخروبي
من أعمال التشكيلي الليبي محمد الخروبي

صرت ألاحظ تدهوراً خطيراً على مستوى العناية بالسلامة النحوية في الكتب، على الرغم من أن كثيراً منها يحوي بيان مسؤولية ينص على أن فلاناً أو فلانة (أحياناً يتقدم اسميهما د.) قام بالتصحيح اللغوي.

وفي جميع الأحوال، فإن وجود أخطاء نحوية في الكتب المطبوعة يدل على انعدام المسؤولية لدى الكاتب والناشر والمصحح، إن وجد.

والمصححون اللغويون في دور النشر أو المطابع أو الصحف والمجلات، يشكلون مشكلة. ذلك أن التصحيح اللغوي فن رفيع يحتاج إلى مصحح يدرك، إلى جانب معرفته باللغة، حدود مهنته ويلتزم بها ولا يمارس استبداداً على النصوص التي أسندت رعايتها إليه.

أنا لي خبرة طويلة بالتصحيح تمتد عقوداً، ولي منهج في هذا المجال أسير عليه. فأنا لا أصحح الأخطاء الشائعة إلا نادراً، وغالباً لأصدقائي، فمحاولة تصحيح خطأ يرتكبه الملايين محاولة عبثية. وعندما أجد اشتقاقاً ما لم يمر عليَّ من قبل لا أهتم هل هو موجود في القواميس أم لا، ما يهمني هو اتفاقه، أو عدم اتفاقه، مع قواعد الصرف العربي. ذلك أن اللغة «كائن» متجدد، وليست كما يريد منا المحافظون التقليديون أن نعتقد.

المسألة الأخرى أنني أحرص على التمييز بين همزة الوصل وهمزة القطع وأصر على إثبات همزة القطع في حال وجودها، كما أنني أصر على نقط الياء في نهاية الكلمة للتمييز بينها وبين الألف المقصورة.

لقد واجهتني، أثناء مسيرتي الكتابية، مشاكل مع المصححين اللغويين في الصحف والمجلات. أذكر سنة 1977 أرسلت قصة إلى النشر عنوانها «اليباس»، ففوجئت أنها ظهرت في الصحيفة بعنوان «اليبس» والفارق في مدلول اللفظتين واضح. وفي قصة أخرى ثمة جملة تقول «تركتني وتعالقت مع آخر» فوجئت بها تتحول إلى «تركتني وتعلقت مع آخر». قلت للمصحح أن الجملة بهذا الشكل غير تامة، كان حرياً بك أن تكتب «… وتعلقت مع آخر بعمود الكهرباء» مثلاً.

أحياناً يمارس المصحح نوعاً من الاستبداد على النص، ومن ثم على الكاتب، حين يفرض عليه أسلوبه الخاص. في فترة كان مصحح كلما وجدني كتبت «بدلا من» يحولها إلى «بدلا عن». الاستعمالان صحيحان، فلماذا يفرض عليَّ تحبيذه الخاص به!

في قصة لي في أحد كتبي ترد لفظة «الوطى» التي تعني في اللهجة الليبية الأرض. فظهرت في الكتاب، الذي طبع خارج ليبيا، «الوطني». لو كان مَن غير هذه الكلمة مدركاً لمسؤولياته لما قام بتغييرها، لأنها واردة ضمن سطور بالعامية الليبية، وكان حرياً به، ما دام لا يعرف العامية الليبية، أن يتجاوز هذه السطور دون أن يراجعها على معايير الفصحى.

هناك كتاب مخصص لشاعر ليبي اسمه جيلاني طريبشان، عندما طبع هذا الكتاب خارج ليبيا ظهر العنوان «جيلاني تريبشان»، وهذا، طبعاً، منتهى العبث والاستبداد.

إضافة إلى عدم معرفة غالبية المصححين باستعمالات الأقواس المختلفة، فيحذفون بعضها ويبدلون البعض الآخر على هواهم.

أنا أعرف، طبعاً، أن كثيراً من الكتَّاب (بعضهم كتاب مرموقون) يرتكبون أخطاء نحوية فادحة. لكن المصحح النبيه يستطيع أن يميز بين الكاتب المتمكن من اللغة والكاتب غير المتمكن، وينبغي ألا يضع نفسه في منزلة أعلى من جميع الكتاب وحاكماً عليهم.


بوابة الوسط، الأحد 23 يوليو 2023

مقالات ذات علاقة

معرض بورتريهات

فاطمة غندور

6 مقالات قصيرة

محمد دربي

البدو الجدد

منصور أبوشناف

اترك تعليق