قصة

جنية دزيرة الملوك

(هذه قصة حقيقية رواها لي صديق منذ أكثر 55 عاما، والغريب أنه رواها لي امام بحر بوعزة واختفى بعدها بأيام لا أحد يعرف كيف اختفى)

من أعمال التشكيلية الليبية إسراء كركره
من أعمال التشكيلية الليبية إسراء كركره

السحر

اختار عزلته هذه المرة بجانب البحر، وفيما هو يقترب من الشاطئ رأها جالسة فوق صخرة ترتدي فستاناً خفيفاً متعدد الألوان، فستانٌ شفاف كالموج بوارف الورود، تقدم بضع خطوات حتى تراه، اِقترب أكثر، لم تنتبه له.. بوجه هادٍ باسمٍ تُحدق في موج البحر، يتهادى الموج مرتطماً بأكعاب الصخور لا الرمل يعرف من مسالكه ديار ولا المرجان الساهر ليل نهار..  حيّاها فلم تنتبه، تأمل ليل شعرها يهرهر على كتفيها شلالٌ من الدجى، اقترب أكثر وأكثر حتى صار القرب قربًا وأقرب، انتبهت له، نظرت إليه، ابتسمت، اِبتسم، حدّق فيها، تأملها بنهمٍ، حُسنها يستحي ورد الخميلة منه خجلاً، بريق جمال عينيها السوداوين فتاك سيذوي به بمعترك العواصف، قال في سره بيمنا وشوشه أنفاس الموج مُردّدة: ما هذا السحر المعتق؟

من علم العين

 أشارت بيدها إلى البحر، إلى مرم البصر..  نظر إلى حيث أشارت، أشار معها حيث أشارت الدّزيرة، نعم: الدزيرة، ديزرة الملوك..  سحائب كثيفة تدنو من الجزيرة، أرسلت نظرة نحو الزديرة، وفي السماء طائر السنونو يحلق عالياً ثمّ يهبط ليلامس الماء، بينما الغمائم تتجمع بسخاء والماء الأزرق يسبح في ثوب أخضر غامقٍ سألته: أتعرف العوم؟ أجاب في استحياء: لا. قالت رائع..

تمشي فوق الماء

 وقفت في خفة ورشاقة، قدّها مرح كغصن بانٍ، مشت فوق الماء، سرى في داخله ترتيل خفي، صعدت فوق صالتو الجمل، نزعت فستانها، قفزت في البحر، فرح الموج، أقترن الماء بالماء، سبحت حتى الدزيرة الصغرى المكشوفة، ارسلت له تحية من الدزيرة، أشارت إلى دزيرة أكبر يغطيها الماء بأفواج الموج، علا صوتها ” دزيرة الملوك “، صهيل الرياح يعلو، لم يصله صوتها، وقف يراها تحت غيث السماء، وصلت الديزرة، تركت الدزيرة باتجاه الشمال واسراب الغروب النورانية..

جبين الرمل

  الشمس تتسلل نحو الأفق تجرجر خلفها ثوبَ برتقالٍ، هدير الموج يزمجر صاخباً، يتلاطم بين الصخور، زبدٌ كثيف يعلو الماء طفحاً، ارتفع الموج بدأ يرتطم بقدميه، خيّم المساء، لم يغادر الشاطئ حتى اِختفت عن الأنظار، كأنه الناظر والمنظور، لم يتوفه بحرف. أمضى الليل.. ظلّ عند البحر حتى الصباح، همّ عائدا لبيته، غاص سؤال في وجدانه: ما اسم تلك الجنية التي خصتني دون غيري بهذا الكشف الخاطف، توقّف مدهوشاً ليرى حروفاً تطرز فوق جبين الرمل: “من علّم العين أنّ القلب يهواك “.

مقالات ذات علاقة

الدستور الذي في الصندوق!

المشرف العام

أزمـــــــــة

زكري العزابي

المعطف الأبيض

عزة المقهور

اترك تعليق