طيوب عربية

لا أحد يقرأكم هنا!

طالب الرفاعي | الكويت

من أعمال التشكيلي الليبي جمال الشريف (من معرض دمى)
من أعمال التشكيلي الليبي جمال الشريف (من معرض دمى)

حين أسمع أن كاتباً عربياً أصبح كاتباً عالمياً، لأن إحدى رواياته تُرجمت للغة أجنبية، أهمس مخاطباً نفسي: «حلم إبليس في الجنة!». ان تكون عالمياً يعني أن تصبح جزءاً من مشترك إنساني إبداعي وثقافي! وهذا غير متحقق لأي كاتب عربي، باستثناء صاحب نوبل نجيب محفوظ!

ليست من علاقة بين الكاتب العربي والكاتب العالمي. ومن واقع علاقاتي بكتّاب عرب على امتداد المعمورة، فإنه من النادر جداً العثور على كاتب عربي على علاقة بكاتب عالمي. ليست علاقة «مرحبا»، والتواجد معاً في حفلة أو معرض كتاب، بل الصداقة الإنسانية بمعناها العميق والمتجدد.

القارئ الفرنسي يتنقّل بين الكتّاب الفرنسيين، وقد يقرأ لكاتب عالمي تروّج له إحدى كبريات دور النشر، ومؤكد أن الكاتب العربي ليس خياراً مطروحاً أمامه، والأمر عينه في بريطانيا. وفي أميركا الوضع أسوأ بكثير. فقبل أسبوعين تسلّمت «إيميل» من الناشر الأميركي ميشيل مشبّك -Michel Moushabek، الذي أسس شركة إنترلنك للنشر Interlink Publishing منذ أكثر من 25 عاماً، وهو يقدّم عرضاً لشراء كتب الصيف: «اشتر كتابين والثالث مجاناً». تواصلت معه، وسألته عن إمكانية ترجمة أدب عربي، فأجابني: «آسف، لدينا ما يكفينا من الكتب العربية للسنتين المقبلتين. نحن ناشر صغير بموارد محدودة، ولا يمكننا نشر سوى عدد قليل من الكتب العربية كل عام. ونحن نقوم بذلك كعمل حب، لأنه مكلف، ونادراً ما يفي بتكلفة النشر». ردّه أعادني إلى عشاء حضرته قبل سنوات في نيويورك، مع أصدقاء، من بينهم ناشرون أميركيون، وحين عرف أحدهم أنني كاتب، قال بصراحة الأميركيين: «لا أحد يقرأكم هنا!». لفتتني إجابته، فأضاف: «أنتم، وفق وعي المتخيّل الشعبي، غير متمدنين، وإرهابيون، وليس هناك ما يُغري في قراءة أعمالكم»، ساد جلستنا شيءٌ من الصمت، فأوضح: «دور النشر الأميركية ترفض طبع الأدب العربي بسبب صعوبة تسويقه، وتحمّلها الخسائر المادية جراء ذلك!».

مقولة الشاعر الإنكليزي صاحب نوبل للآداب 1907، روديارد كبلنغ-Rudyard Kipling (1865 ــ 1936): «الشرق شرق والغرب غرب»، مقولة صحيحة وماثلة على أرض الواقع. فما بيننا وبينهم صحراء وعي إنساني وثقافي شاسعة ولا يمكن تجسيرها، خصوصاً أن وسائل الإعلام لديهم تعمل جاهدة لتأكيد هذه الهوة وتغذية تجديدها باستمرار!

الكاتب العربي يكتب عالمه بهمومه وقضايا شعبه، وهذا غير مهم ولا مغرٍ للقارئ الغربي. ولكي يصل كاتب عربي إلى العالمية، عليه أن يكتب مادة مبدعة بسقف عالٍ يلامس الهم الإنساني، منطلقاً من المحلي وصولاً إلى المشترك البشري، وهذا ما أبدعه الإسبان والشرق آسيويين وروائيو أميركا الجنوبية، وانتزعوا به مساحة تخصّهم على خريطة الأدب العالمي.


صحيفة القبس | 21 يونيو 2023م.

مقالات ذات علاقة

الجائحة تبزل محبرة

آكد الجبوري (العراق)

في بيت آن فرانك

مهند سليمان

مصادر المعرفة في العلاقات الاجتماعية

إبراهيم أبوعواد (الأردن)

اترك تعليق