حين كنت في الصف الثاني إعدادي كتب لنا مدرس اللغة العربية على السبورة، أحجية إسماعيل وأسماء، طالبا منا حل الأحجية التي تقول:
طرقت الباب حتى كلّ متني
فلمّا كلمتني كلمتني
فقالت ياسماعيل صبرا
فقلت يا اسما عيل صبري
وقد شرح لنا مدرسنا ذلك معنى (عيل صبري) و(كلّ متنيّ) ولكنني لم أستطع فهمها بدقة وعلى حقيقتهما إلا بعد مرور ما يقارب الخمسين عاما، حين أصبت منذ أربعة شهور بداء”الريئة”على رأى أطبائنا القدامى، وحيث لازمني ألم مبرّح في “الريئة” مع (كحّاحة) تصل الليل بالنهار، وما تبع ذلك من نزول الوزن وفقدان شهية الأكل واضطراب التنفّس،وهبوط الهمّة.
وكما يفعل أغلب الليبيين في زمننا هذا بادرت بشدّ الرحال إلى الشقيقة تونس رفقة صديقي سمير الذي أصبح من حينها مرافقي الطبي، حيث أدخلني إحدى مصحاتها وبدأت رحلة معاناة العلاج الكيماوي وما يفعله من آلا م إضافة إلى آلام المرض.
حين انتشر خبر إصابتي بالسرطان، بادر أصدقائي من كتاب وصحفيين -والذين يتوجب أن أتوجه لهم بالشكر والامتنان سواء القدامى منهم أو الذين تعاطفوا مع حالتي من مختلف المدن الليبية- بدؤوا حملة تبرعات بإعانات مالية وحملة مناشدات لمؤسسات الدولة الليبية أن تقوم بإيفادي للعلاج بالخارج، وقد استجاب مشكورا الأخ أمين المؤسسة العامة للثقافة فخاطب اللجنة الشعبية العامة بخصوص علاجي والتي بدورها خاطبت مشكورة اللجنة الشعبية للصحة والتي مشكورة هي الأخرى خاطبت مركز بنغازي الطبي والذي مشكورا هو الآخر كّلف طبيبا مختصا بالكشف على حالتي في مستشفى الجمهورية والذي مشكورا أوصى بإحالتي للعلاج بالخارج في أقرب وقت.
لقد مر منذ اكتشاف إصابتي إلى الآن أكثر من ثلاثة شهور وهو زمن طويل جدا بالنسبة لمريض ينهش المرض رئتيه ويدهسه الدواء الكيماوي ليلا ونهارا، ويعيش على أمل السفر إلى الخارج لاستكمال المرحلة الثانية من العلاج خاصة بعد أن أوقف الطبيب المعالج في تونس العلاج موصيا بالدخول في المرحلة المتطورة من العلاج بالخارج في ظرف أسبوعين على أقصى تقدير وقد مر إلى الآن أكثر من أربعة أسابيع، وكلما راجعنا الجهات المختصة في اللجنة الشعبية للصحة أو في مركز بنغازي الطبي يفيدوننا بأنه في ظرف أسبوع سيتم إيفادي إلى الخارج، وقد مرت الأسابيع واحدا تلو الآخر وما زلنا ننتظر (أرجو ألا يكون انتظار الذي يأتي ولا يأتي) وحيث إن المرض لا يقبل التأجيل والانتظار وحيث كلّ متني ومتن أصدقائي من المراجعة والانتظار وعيل صبري، فقد رأيت وبما توفر من معونات الأصدقاء والمعارف والمتعاطفين أن أبادر بالسفر وابتداء العلاج على أمل أن تستكمل الجهات المعنية الإجراءات وتتكفل بأمر علاجي، وكما يقول المثل إذا جاء ما يسر ما فات ما مضر.
وثانية وثالثة أتوجه بالشكر والامتنان لكل أصدقائي ومعارفي والمتعاطفين مع حالتي لما بذلوه ويبذلونه من جهد من أجل علاجي، بهؤلاء المعارف والأصدقاء أحسست أن الوطن جميعه متعاطف معي ومهتم بأمر شفائي.
بارك الله في الجميع وأراهم كل جميل وطيّب
هون في 13 نوفمبر 2010
موقع ليبيا المستقبل