المقالة

إشكاليات الأدب النسوي

د.فريدة المصري

• أولاً: في إشكالية المصطلح

إن الفصل بين الرجل والمرأة، أوالمذكر والمؤنث القائم على التركيبة الاجتماعية لكل مجتمع، وتراكمه الثقافي هوالذي ساعد على ظهور ما يسمى بالأدب النسوي، فإذا أردنا تحديد المصطلح نلمس اضطراباً بيناً فيه، فهل ما نقصد به الأدب النسوي هو نسبة إلى تحديد الجنوسة على أساس التمييز في الجنس البشري البيولوجي، وبالتالي يكون الأدب النسوي هو مجموع الإنتاج الأدبي الذي تكتبه النساء الكاتبات أوالشاعرات، أم نسبة إلى تحديد موضوعه القائم على قضايا نسائية، أوأنثوية بحتة والتي تبدأ من محاولة الخروج عن سلطة المجتمع الذكوري، والإحساس بالظلم والتهميش والدونية إلى استعادة الذات وإثبات الهوية وتحقيق الإستقلالية والحرية الشخصية، بغض النظر عن جنس الكاتب، وبالتالي نضمن عدداً كبيراً من الأدباء والشعراء ممن دعوا إلى هذه الأفكار لحاجة المجتمع إلى حرية المرأة، ومن هؤلاء: قاسم أمين والجواهري ومعروف الرصافي، ونزار قباني، والقائمة مليئة بالأسماء، فإذا اعتمدنا المصطلح على أساسه الأول نكون قد فصلنا بين قضايا المرأة وقضايا المجتمع الإنساني، أما إذا اعتمدناه على أساسه الثاني، نكون قد أدرجنا هذا المصطلح ضمن الأدب الإنساني، هذا إذا سلمنا أساساً بصحة هذا المصطلح الذي ظهر -فيما يبدو- ردة فعل على الزعم بعدم الاهتمام بما تكتبه المرأة في الدراسات الأدبية، وهوأمر قابل للنقاش، ذلك أنه في حقل الدراسات الأدبية والنقدية نجد أعمالاً لكاتبات وشاعرات قد استوفت حقها من الدراسة، أمثال: فدوى طوقان، نازك الملائكة، مي زيادة، غادة السمان، نوال السعداوي، أحلام مستغانمي وغيرهن ممن أثبتن قيمتهن الأدبية، كما شرعت الدراسات الأكاديمية في الالتفات إلى أعمال بعض الكاتبات ومناقشتها دون النظر إليها على أساس أنثويتها.

وفي حين أن التكوين الجنسي ليس معياراً للقيم الثقافية، فإن إثبات هذا المصطلح ليس في صالح المرأة في شيء، وإنما هو تضييق على حريتها أكثر، ووضعها في حيز يحمل خصوصية لا تستطيع بالتالي الفكاك منها، بل هوإقصاء لها عن العمل المجتمعي والإنساني، وإذا أثبتنا مصطلح الأدب النسوي، فينبغي عندها أن نثبت مصطلحات أخرى تتولد عنه، كأن نقول الفن النسوي، الرسم النسوي، النحت النسوي، النقد النسوي، إلى آخر ما يتولد عنه من مصطلحات قد تلحق الضرر بالمرأة، وبالأدب الذي تكتبه أكثر مما تفيدها، وتعزز دورها الاجتماعي وحتى الفردي، وتصير المرأة عندها في بوتقة اجترار المطالبة بحريتها وحقوقها على الدوام.

إننا نخشى أن نكون أمام مصطلح لتسليع المرأة، كما نجد ذلك مجسداً في الفضائيات النسائية، والصحافة النسائية، والتي يقف من ورائها مؤسسات تسعى إلى الكسب المادي على حساب إحساس المرأة، وفكرها، فيكون بذلك الأدب النسوي أشبه بعطر داخل قارورة أنيقة ما أن يخرج حتى يتناثر، وتختفي رائحته تدريجياً، ويعيش المصطلح حينئذ في كنف المجتمع الذكوري. إن قضية المرأة هي قضية إنسانية تحملها المرأة كما يحملها الرجل، وهما محكومان بمجتمعهما، وبقيمه الدينية، والاجتماعية، وتراكماته الثقافية.

• ثانياً: في إشكالية الحرية

الحرية في الفن، والحرية في الأدب قضية تشغل بال كل المشتغلين بهذين المجالين على السواء، وإن كان الإنسان محكوماً بواقع اجتماعي معين منذ خروجه إلى هذا العالم بحكم طبيعة التربية التي يتلقاها، والضوابط التي يكتسبها، وأسلوب الحياة الذي يعيشه، والذي يؤدي إلى عملية تكيّف دينامي مع الثقافة السائدة في مجتمعه، والمرأة جزء من هذا المجتمع، وقوانينه تنطبق على سلوكها الفعلي، والكتابي، والفكري، وبالتالي فإن ضوابط المجتمع المتمثلة في منظومة القيم الدينية، والاجتماعية يكون لها الاعتبار الأول في ذهن الكاتب، أوالكاتبة على حد سواء بشكل مسبق، وأحياناً دون وعي منه، حيث هذه القيم تنطلق من الداخل بعد أن استُوعبت وهُضمت، وإن كانت النظرة إلى الأدب الذي تكتبه المرأة يشوبها شيء من الحذر، فإن هذه النظرة هي وليدة تراكمات عبر عصور طويلة منذ عصر النظام الثاني البطريركي الذي قام على أنقاض النظام المطريركي، بل رفضه واحتقاره.

وهنا تكمن المشكلة، فكيف يمكن الانتقال إلى نظام آخر يوفق بين النظامين دون تحيز إلى أحدهما؟ إن ذلك لا يتحقق إلا بانقلاب معرفي ذهني، يُخرج المرأة والرجل على حد سواء من دائرة موروث ثقافي مغلق إلى انفتاح ثقافي بنّاء، وليس انفتاحاً قائماً على الشكل، بل انفتاح قائم على المضمون.

• ثالثاً: في إشكالية التفوق وإثبات الذات

يسعى كل إنسان إلى التفوق، ويعمل كل ما أمكنه لتحقيق هذا المسعى، البعض يصل والبعض لا، ربما لأن اختياره لم يكن موفقاً في مجاله، والتفوق لا تصنعه المعجزات، بل الموهبة والإخلاص والصدق، وخاصة في الأدب، فكاتبة مثل مرغريت ميتشيل حققت شهرة منقطعة النظير برواية واحدة، وهي “ذهب مع الريح”، وذلك ليس لأن الرواية صُنفت تحت مجال ا لأدب النسوي، وإنما لأن هذه الرواية عبّرت تعبيراً صادقاً، وصورت تصويراً دقيقاً الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في أمريكا، وغادة السمّان كانت كتاباتها تعبق بصدق الشعور، وصدق التصوير، وجرأة الطرح كانت بداية المشوار لكاتبات جئن من بعدها، بل هي التي فتحت باب الجرأة الأدبية دونما ابتذال، ولكنها لم تتوارى خلف حجاب لا الأدب النسوي ولا الأنثوي ولا أي تسمية أخرى، وإنما كان يكتنفها الشعور الإنساني، والصدق الفني مع أي موضوع تطرحه، وأسماء كثيرة تفوقن في مجال الكتابة دون اللجوء إلى تصنيف طبقي، أوانفصالي، أوتقييمي، وبالتالي فإن مكمن النجاح والتفوق يكون على مستويين اثنين قائمين على شعور صادق، وتعبير صادق عن هذا الشعور.

________________

نشر بموقع ليبيا المستقبل

مقالات ذات علاقة

تكتيكات الصحافة الإلكترونية

رامز رمضان النويصري

لِيَسْتَقِرَّ الْعَرَبْ

علي بوخريص

أين ليبيا التي عرفت؟ (37)

المشرف العام

اترك تعليق