الطيوب
عن جار السراح للنشر والتوزيع، طرابلس، صدرت للكاتبة والقاصة الليبية انتصار بوراوي، مجموعتها القصصية (جمر الأحلام).
المجموعة جاءت في 42 قصة قصيرة، تدور معظمه حول عالم النساء المصطدمات بالمجتمع واللاهثات خلف أحلامهن القصية، المشتطة بهن إلى مرابع بعيدة وفى كل قصة من المجموعة نتلمس، وجه من وجوه النساء الباحثات عبر سديم وضباب مجتمعهن الذكوري عن فتحة ضوء وكوة للتنفس، وهن يقبضن على جمر أحلامهن بين أياديهن.
من أجواء المجموعة نقتطف جزءً من قصة (كذبة بيضاء):
كانت طفلة خجولة لدرجة الخرس، حين ينظر فتى في عينيها، وهي في طريقها للمدرسة تنظر بشزر إليه وتمضي غيرَ عابئةٍ بمناوشاتهم، بينما كانت رفيقتها في المدرسة وابنة جيرانهم سحر مشاغبة تناوش الفتيان بضحكاتها في وجوههم، وبهمس عينيها الجميلتين، وبسروالها الجينز الأسود وشعرها الناريِّ القصير.
كانت سحر تشرع ابتسامتها للسماء والغيم، مسدلة يدها على شعرها ومتراقصة بمشيتها التي كانت تثير الفتيان في الطريق، فيما كانت هي على النقيض منها بشعرها الأسود الطويل، وبلونها القمحي ووجنتيها المحمرَّتين من الخجل كلما اقترب أحد الفتيان لمناوشتهما وهما في طريقهما لمدرستهما الثانوية كل يوم
لم يكن يجذبها الفتيان المشاغبونَ؛ حتى ابن الجيران صلاح الذي كان يناوشهما ويرمي بالأوراق المسطرة بالحب والهيام، في طريقهما اليومي إلى المدرسة لم تكن تستسيغه وكانت تنظر إليه باستعلاء، ولا يعجبها بعينيه الفاجرتين، اللتين تكادانِ تلتهمانِ جسدها وبذاءات صوته العالي مع رفاقه، فيما كانت جارتها ورفيقة الطريق إلى المدرسة تناوشه بعينيها، وتلتقط الأوراق التي كان يكتب عليها كلمات الحب والهيام، فجأةً لم تعد سحر ترافقها في طريق عودتهما من المدرسة وأخبرتها بأنها سترجع للبيت مع أخيها
في اليوم الثاني لمحتها وهي تخرج متسلَّلةً، إلى طريق فرعيٍّ لتجلس بالمقعد الأمامي بجانب ابن الجيران في سيارته، تفاجأت وشعرت بأن هناك خديعةً ما ارتكبتها صديقتها ليس معها فقط، ولكن أيضًا هي تقوم بخداع أمها الأرملة المسكينة التي نذرت عمرها من أجل تربية البنتين والصبيِّين الذين تركهم زوجها في رقبتها قبل أن يرحل
بعد أيَّام أقبلت نحوها سحر وهي ترتعش، وهمست لها قائلة: أرجوك يا رفيقتي قفي معي ثمة من همس في أذن أمي عن علاقتي بصلاح، وهي تشك بأنني أخرج معه بعد انتهاء اليوم الدراسي، وهي تثق بكلامك كثيرًا وسوف تأتي لتتأكد منك أرجوك كلمة منك ستنقذني من مصير منعي عن الذهاب للدراسة مجدَّدًا.