وأخيرا.. تحررت من ربقة المصرف التجاري برأس لانوف.. واتجهت مسرورا إلى مصرف الوحدة: هنا وبالمناسبة..آمل ممن يعنيهم الأمر أن يزيلوا كلمة (الوطني) من اسم المصرف التجاري.. فالوطن برئ منه ومن معاملاته.. ولا يليق أن يضاف اسمه إلى اسمه.
أقول هذا الكلام بعد (32) عاما من الألم والمعاناة.. أقوله بعد انتقالي إلى مصرف الوحدة حيث لاحظت الفرق الكبير بين المصرفين.. في حسن الأداء.. وسرعة انجاز العمل.. وفي معاملة الزبائن أيضا.
نعم.. أيها الناس : هل نحن مسلمون.. ؟ إن كنا كذلك.. فهل معاملاتنا تليق بإسلامنا السمح الجميل.. ؟
حكاية بالخصوص :
هنا وبالمناسبة تحظرني حكاية لها علاقة بموضوعنا حدثني بها أحد الأصدقاء.. الذي ترك بلادنا وهاجر منذ أربعين عاما تقريبا.. ولم يعد إليها إلى يومنا هذا.. التقيت به في لندن.. ذات يوم من عام : 1992.. فحدثني عن تجربته ومعاناته في ديار الغربة.. قبل أن تتحسن أحواله ويصبح مهندسا مرموقا في مجال النفط ببحر الشمال.. حيث عمل في منصات النفط هناك.. وتنقل في العمل مع عدة شركات منها : (ايسو وشل وتوتال و أوكسيدنتال).. وأصبح كذلك صاحب شركة تختص بالأعمال الكهربائية.
قال لي : تحصلت على عمل في بداية حياتي في الغربة.. ففرحت به كثيرا.. وفتحت لي حسابا بأحد البنوك.. وتحسنت ظروفي الحياتية لفترة من الوقت.. إلى أن ساءت ظروف الشركة التي أشتغل بها.. فاضطرت إلى إقالة العديد من مستخدميها.. وكنت أحدهم.
ولم يكن من السهل هنا في لندن الحصول على عمل فساءت ظروفيكثيرا.. ونفد ما ادخرت من نقود..ولم استطع دفع ايجار السكن فخرجت منعه مرغما.. واضطررت للمبيت بمحطة القطارات.. وعجزت حتى عن شراء السجائر.. فتوقفت مضطرا عن التدخين.
ذات يوم ــ يقول صديقي ــ حملت بطاقة المصرف ودفتر الصكوك.. وذهبت إلى المصرف..وفي نيتي قفل حسابي.
وهناك.. في المصرف سلمت البطاقة ودفتر الصكوك إلى إحدى العاملات المبتسمات المؤدبات وقلت لها: أرغب في قفل حسابي.
فقالت باستغراب شديد :What.. !!!
فقلت لها : لا.. What ولا سو.. فقط أريد قفل حسابي.
فقطبت جبينها.. وقالت باستغراب أيضا : هل أسأنا معاملتك.. هل هناك أمر يضايقك.. ؟
فقلت لها : لا.. ليس ثمة شيء من ذلك.
فقالت لي : رجاء انتظر قليلا.. وأخذت البطاقة ودفتر الصكوك.. وذهبت مسرعة.
ثم عادت مسرعة أيضا : لتقول لي : تفضل.. مدير المصرف يريد مقابلتك.. !!!!!
ولم يكن لدي من خيار إلا الدخول عليه.. بثيابي المتسخة ورائحتي التي تغلب عليها رائحة العرق وروائح الدخان الذي تمتلئ به محطات القطارات.
استقبلني المدير بابتسامة.. وسلم علي بود.. وسألني نفس السؤال : ما الذي يدعوك لقفل حسابك عندنا.. هل أسأنا معاملتك.. هل هناك أمر يضايقك.. ؟
فقلت له : لا .. ليس ثمة شيء من ذلك.. لقد أقلت من عملي.. ولم يعد لدي راتب..ومن السهل علي أن أفتح حسابا جديدا إذا تحصلت على عمل جديد.
فقال : لا.. لا تقفل حسابك.. لديك الآن هدية بسيطة من المصرف..وهي (500) باوند.. تستطيع أن تسحبها من الآن.
فشكرته كثيرا.. وشكرت الأخت التي تولت معاملتي بشأن قفل الحساب.. وتوجهت إلى الصراف.. وسحبت (500) جنيه إسترليني..وخرجت من عندهم وأنا في غاية السرور.
وفي طريقي إلى محطة القطارات عرجت على أول محل واشترت علبة سجائر.. واشعلت واحدة منها.. ودعوت الله أن يسهل لمدير المصرف وللموظفة أيضا النطق بالشهادتين.. حيث لاحظت أنه لا ينقصهما من الإسلام إلا النطق بهما.
وأنا هنا.. من ليبيا :
أوجه كلامي لكم وأقول : أيها الأعزاء.. هل نحن مسلمون.. ؟ وإن كنا كذلك.. فهل معاملاتنا الإدارية والمصرفية.. تليق بإسلامنا السمح الجميل.. ؟
أدعو الله تعالى.. أن يهدي موظفي مصارفنا إلى إسلامنا السمح الجميل الذي ينتسبون إليه.. وإلى أخلاقه الطيبة التي يفتقدونها.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.