خليفة البشباش
“الضباع التي تضحك عند الفجر لا بد أن تسبب الخراب في الغسق”، رواية هايلو التي تدور أحداثها في ليبيا مشبعة بالمأثورات والأمثال الحبشية، ومن المفاجئ أن أول رواية في تاريخ الأدب الإريتري والمكتوبة باللغة المحلية “التغرينية” تدور أحداثها في ليبيا، وتذكرت كيف كان التليسي وغيره كثيرون يشتكون من ضعف التوثيق الأدبي للنضالات التي خاضها والمآسي التي عايشها الليبيون في القرن الأخير فضلا عن سواه.
تدور رواية “المجند” التي كتبها الروائي الإريتري “غيبريسيوس هايلو” سنة 1927م عن قصة حياة “توكوابو” الشاب الإريتري الذي جند مثل كثيرين من أبناء بلده للقتال في صفوف قوات الاحتلال الإيطالي ضد الليبيين، المقاتلون الذين عرفوا في التراث الشعبي الليبي بأسماء مثل “المصوعي” نسبة إلى الميناء الذي خرجوا منه، كانوا من أهم وأشرس العناصر في صفوف الاحتلال.
على الرغم من تركيزه الأساسي على الشخصية الحبشية من الناحية الثقافية والاجتماعية والدينية، والأهم ميلها الأصيل للقتال وتقديسها لمفهوم الشجاعة وهو أمر استغله الإيطاليون لتجنيدهم، لا يخفي “هايلو” تعاطفه الواضح مع الليبيين وقضيتهم وروحهم الوطنية والنضالية “كانت المعركة بمثابة حفلة عرس بالنسبة لهم” وشخصيتهم التقليدية من حيث تمسكهم الديني “حتى لو كنت منخرطا في حديث معهم سوف يتركونك ويذهبون للصلاة”، ونقده لأبناء بلده الذين يقاتلون في حرب ليست حربهم في بلاد بعيدة، ويناقش مسألة “التجنيد والارتزاق” لأبناء قارتنا في الحروب الاستعمارية من ناحية نفسية واجتماعية، عدا عن الانطباعات المسبقة وغير الحقيقية عن الشعوب.
من المفاجئ أيضا أن رواية مبكرة وقصيرة الحجم، حوت تصويرا أدبيا جميلا لكثير من المشاهد، مثل الأساليب القتالية المختلفة في الحرب للعناصر الثلاث في المعركة، الليبيين والإيطاليين والأحباش، مشاهد المغادرة والحشد في الموانئ والقطارات، العطش وتجربة الصحراء، الانتصار والهزيمة، ويقظة “توكوابو” الشاب الذي كان متحمسا للذهاب إلى ليبيا وإثبات شجاعته وقوته ليكتشف أنه مجرد مجند محتقر يعاني من أجل ضباط غرباء! وما من مفر الآن.
يلاحظ على الرواية بعض التصورات الجغرافية غير الدقيقة عن بعض المناطق، لكن الرواية في عمومها جيدة جدا وجميلة الأسلوب، وتعد توثيقا نادرا ومبكرا للتاريخ الشفهي والتراث المحكي الحبشي عن مرحلة مهمة من تاريخهم وتاريخنا، تعرّض الليبيون لنفس التجربة لاحقا حيث جند الاحتلال الإيطالي كثيرين للقتال في مغامراته الاستعمارية في إفريقيا إضافة للحرب العالمية الثانية، وفيما عدا قصائد شعبية رغم أهميتها البالغة إلا أن أغراضها الأدبية متشابهة تقريبا، فمن النادر أن تجد توثيقا أدبيا لتلك التجارب ومرارتها، عساها تجد من يخرجها من التسجيلات ومتفرقات الكتب والمقالات والروايات الشفهية إلى أعمال تصل لشريحة أكبر من المتلقين.