شخصيات

‘‘أوندينا باراديل’’ الشخصية التي أجادت ممارسة الدبلوماسية الثقافية في ليبيا

مصطفى حموده | بلد الطيوب- مجلة الليبية

السيدة أوندينا باراديل
السيدة أوندينا باراديل

قدمت رسالة متوازنة لا تنحاز لثقافة بلدها على حساب الثقافة الليبية، ولا للغتها على حساب العربية واللهجة المحلية.

انحازت للإبداع الذي يغذي روح التعايش بين الجيلين ليبدءوا من جديد وليكونوا أبناء اليوم.

شجعت العديد من الليبيين لتعلم الإيطالية، والتعبير عن مواهبهم وقدراتهم في مجالات إبداعية مختلفة.

عقدت ورش عمل من ضمنها الفن التشكيلي والرسم، وأبرزت أسماءً موهوبة تشكل الآن رافدا مهما للفن التشكيلي.

قدمت ‘‘أوندينا باراديل’’ التي تقلدت مهام نائب معهد الثقافي الإيطالي بطرابلس في عام 2005، عطاء كبير كان له -في اعتباري- أثره في إرساء دعائم التقارب والتمهيد لإحياء وتفعيل اتفاقية الصداقة بين دولتي ليبيا وإيطاليا في 2008، وذلك لدورها في تنشيط الحراك الثقافي وتعزيز أواصر الصداقة والمحبة بين البلدين، طوال مسيرتها الحافلة بالمهام والمبادرات في مجالها الممتد خلال السنوات الست التي عملت فيها كمنسق للغة الإيطالية وللأنشطة الثقافية بالمعهد، وهي التي تحمل خبرة سابقة طورتها في ظل المهام العديدة التي كلفت بها في دول أوروبا وأمريكا الجنوبية.

تكريم

في عام 2010 تم تكريم “أوندينا” في حفل حضره حشدٌ غفير من دبلوماسيين وسياسيين ومثقفين، سَلّمت خلاله مهامها لخلفها، تم خلاله إلقاء كلمة لطلبة المعهد الإيطالي يصفون فيها تجربتهم في ظل إدارتها، ناسبين إليها ‘‘الفضل الكبير في التواصل بين الشباب الليبي والإيطالي، بتشجيعها للعديد من الليبيين على تعلم اللغة الإيطالية’’، إلى جانب ’’دعمها لهم للتعبير عن مواهبهم وقدراتهم الفنية في مجالات إبداعية مختلفة’’.

وخلال هذا التكريم قال ‘‘مروان طاهر الزروق’’ أحد المتعاونين السابقين بالمعهد في جانب تنظيم الفعاليات الثقافية والفنية، أن (أوندينا) ‘‘نظمت العديد من الأنشطة الثقافية والفنية، من بينها ورش عمل في مجال الفن التشكيلي والرسم لأسماء شابة، المعروف منهم وغير المعروف’’، مستشهدا بنمو الحراك الثقافي والفني -خلال المدة التي عملت خلالها في المعهد- الذي جاء ‘‘مواكباً لتطلعات البلدين في تعميق أواصر الصداقة والمحبة’’ حسب قوله.

وعلى امتداد السنوات التي شغلت فيها مهامها، وكنت عايشت الأربع الأخيرة منها كصحفي وصديق مقرّب، لمست محبة الناس لها، أحبوها كما أحبتهم، وأحبوا العمل معها ‘‘لأمانتها وصدقها وجديتها في العمل، ولإخلاصها لرسالتها ولرسالة المعهد التي حرصت على تحقيقها على الوجه الأكمل، بما يخدم روح التعايش بين ليبيا وإيطاليا كنموذج لبلدان أخرى’’ وفقاً لما جاء في الشهادة التي أدلى بها محبوها في كلمة التكريم.

وبدورها -ودموع الوداع تنهمر من عينيها- أثنت “أوندينا” على الطلبة والطالبات، قائلة: ‘‘كانوا الدافع المشجع لي لما يتمتعون به من خلق وذوق ومن روح البدل والعطاء، مجموعة متكاملة متفاهمة منسجمة ومحبة للعمل، متطلعين نحو الإلمام بثقافة الآخر وتقريب وجهات النظر البناءة، وهذا كان مصدر سعادة لي طيلة السنوات الست التي قضيتها في ليبيا’’. وشهدت في الحفل بأنهم: ‘‘مثقفون، يؤمنون بالعمل الجماعي، يؤدون ما يرون بأنه رسالة وواجب نحو وطنهم، ويبدلون قصارى جهدهم لتحقيق أهداف مجتمعهم وتحقيق المصلحة العامة’’، قائلة: ‘‘أن أحظى بمثل هؤلاء الشباب والشابات، لهو أمر رائع ومثار فخر واعتزاز لي، فقد كنت دائما أشعر في وجودهم بأني لست وحيدة، لقد فتحوا لي بيوتهم، وجمعتني بهم روابط وطيدة ومتينة’’.

السيدة أوندينا باراديل
السيدة أوندينا باراديل

تعاون وشراكات

تعاونت -خلال مدة وجودها في ليبيا- مع العديد من الشركاء المحليين بينهم: (أكاديمية الدراسات العليا-جنزور، وجهاز حماية المدن التاريخية، متحف السرايا الحمراء، مدرسة الفنون والصنائع، إلى جانب عدد من وسائل الإعلام المحلية المكتوبة والمرئية)، وهذا التعاون هو الذي أدى إلى تنشيط الحراك الثقافي بين البلدين، اعتمدت “أوندينا” خلاله رسالة متوازنة لا تنحاز لثقافة بلدها على حساب الثقافة الليبية، ولا للغتها على حساب اللغة العربية واللهجة المحلية، بقدر ما انحازت للعمل الثقافي الإبداعي الخلاق لشعبين كانا بحاجة ماسة لبداية ينطلقون منها من جديد حتى يكونوا أبناء اليوم، ضمن سياسة تهدف إلى فتح باب الحوار وطيّ صفحة صارت في ظل حوار الشباب نسيا منسياً.

مناشط

ونظمت “أوندينا باراديل” خلال المدة التي قضتها في ليبيا، العديد من الأنشطة والبرامج المهمة، أبرزها: إيفاد الطلبة المثابرين للجامعات الإيطالية؛ حيث شجعتهم على دراسة لغتها، فتفوقوا وحققوا نتائج باهرة اعتبرتها مبعث فخرٍ لها. كما قامت بإعادة تنظيم طرق تعلم الإيطالية بهدف تمكين منح شهادات صالحة وسارية على المستوى العالمي حسب الإطار الأوروبي للغات. أيضا نسّقت وأشرفت وبرمجت مجموعة من الأنشطة الليبية-الإيطالية التي جرت بمقر المعهد الإيطالي ببن عاشور، من فنون تشكيلية وموسيقى ليبية تراثية وإيطالية، إضافة إلى الأنشطة السياحية والمهرجانات السينمائية وغيرها. ومن أهم الفعاليات التي نظمتها وأشرفت عليها، كان ‘‘الأسبوع الثقافي الايطالي بليبيا’’، الذي برمج فيه عروض لأشرطة سينمائية ووثائقية قدمت في قاعة المعهد وقاعة أكاديمية الدراسات العليا- جنزور، فضلاً عن الأمسيات الموسيقية والغنائية الحديثة، وفعاليات أخرى.

وتم خلال هذا الأسبوع استعراض أشرطة وثائقية لعديد من التشكيليين بينهم ‘‘علي قانة’’، والمعهد بهذه الأنشطة المرتكزة على الفن التشكيلي يسد نقصاً لا يجب تركه، بفضل جهود هذه السيدة في مجال فن لا يحظى بدعم الجهات المعنية كما ينبغي.

ولم تكتفي “أونيدنا” بموضوع تعلم الطلاب للغة الإيطالية والتنسيق للأنشطة الثقافية فحسب، بل عقدت ورش عمل في مجالات مختلفة منها الفن التشكيلي والرسم، استضافت خلالها فنانة تشكيلية إيطالية معروفة تدعى ‘‘ستيفانيا فابريسي’’ لتنكشف الرؤيا على أسماءً موهوبة تمثل الآن رافدا مهما للفن التشكيلي. وقبلها قامت بتنظيم العديد من المعارض التشكيلية لأصحاب المواهب في إيطاليا، فاندمجوا مع الفنانين الإيطاليين واطلعوا على تاريخ إيطاليا القديم والحديث، ونقلوا للشباب الإيطالي الصورة الحقيقية لليبيا التي لم يكونوا يعرفوها عن ليبيا.

أيضا نظمت ‘‘جائزة طرابلس’’ للفن المعاصر، إضافة لزيارة دراسية لإيطاليا قام بها مجموعة من الفنانين الليبيين الشباب ممثلين عن أكاديمية الدراسات العليا-جنزور، وجهاز حماية المدن التاريخية، وكان ذلك برعاية مقاطعة روما وكومونة انتيكولي كورادو روما. إلى جانب قيام المعهد الإيطالي بعقد ‘‘الملتقى الشبابي السنوي بين الطلاب الليبيين والإيطاليين’’، حضره طلاب تخصصوا في العلوم السياسية وتاريخ أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط من جامعة “كاليري” الإيطالية، بهدف التعارف وإجراء بحث ميداني يتعلق بدراستهم عن تاريخ ليبيا. ووقتها صرحت “أوندينا” لوسائل الإعلام ‘‘أن هذا الملتقى ينظم سنويا، وله عوامل إيجابية، حيث يساعد على توثيق العلاقات الثقافية والفنية بين الشباب الليبي والإيطالي لتبادل المعارف والآراء حول المستجدات المتعلقة بتاريخ الفنون باختلاف أنواعها’’.

السيدة أوندينا باراديل
السيدة أوندينا باراديل

سيرة ذاتية

تحصلت “أوندينا باراديل” شهادة في الأدب ودرجة الماجستير في علم اجتماع الأسرة من جامعة بولونيا 1976 بأعلى الدرجات (110/110)، لتعمل كباحثة في علم الاجتماع، ومنذ عام 1973 قامت بالعديد من المبادرات المهنية المهمة والتي من ضمنها دورات لمحو الأمية في المناطق الريفية والقروية ودورات لتنمية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

كما تحصلت على شهادة التخصص في مجال ‘‘عامل ثقافي بالمتاحف والمكتبات’’ والتي نظمت فيها العديد من الفعاليات الثقافية.

عملت “أوندينا” لمدة 25 خمس وعشرون عامًا في مجال تدريس المواد الأدبية (الإيطالية واللاتينية والتاريخ والجغرافيا) في المدارس الحكومية، إضافة لإجرائها لأنشطة بحثية في الجامعة، ثم عيّنت من قبل وزارة الخارجية بالإدارة العامة للترويج الثقافي قامت من خلالها بالعديد من الأنشطة في مجالات عدة، منها: منسقة فنية لعدة منح دراسية مهمة لفنانين إيطاليين بالخارج (جائزة نيويورك). كما عملت أيضا في مدارس لتعليم اللغة الإيطالية في إيطاليا والخارج، وقامت بتقديم منح دراسية لمواطنين أجانب بإيطاليا، إضافة لقيامها بعدة مهمات مهنية قصيرة في كل من مونتيفيديو بالأورغواي، وسانقالو بسويسرا بصفتها رئيس لجنة ومفوض الحكومة لمراقبة سير الامتحانات في المدارس الإيطالية الموجودة في البلدين المذكورين، هذه المهام الخارجية تحققت نتيجة لفوزها بوظيفة الملحق الثقافي في مسابقة تصفها بأنها ‘‘كانت صعبة للغاية’’ بالنسبة لها، قائلة: ‘‘كان هذا حلمي، ولكني أحببت التدريس في المدرسة أيضًا’’.

تركت “أوندينا” العمل الدبلوماسي الثقافي، لتبدأ عملا دبلوماسي من نوع آخر، حيث أخذت تجوب العالم رحّالة لتتعرف على شعوب العالم وثقافتهم وتاريخهم وطبيعة بلدهم الخلابة، تقترب أكثر منهم وتشاركهم أفراحهم وهمومهم، وتؤمن بطموحاتهم، تخبرهم أنهم قيمة إنسانية كبيرة وقادرين على جعل هذا العالم مكاناً أفضل للعيش.

مقالات ذات علاقة

شاعر “أحوال حايلة”

سالم الكبتي

في ذكرى وفاته: أصحاب الأحلام العظيمة والنبيلة لا يموتون

المشرف العام

المحامي علي الديب… سيرة رجل 

المشرف العام

اترك تعليق