المقالة

مسامير

من الشبكة
من الشبكة

• إن كنتَ تعتقد أنّه من السهل أن تكون مسماراً فعليك أن تراجع معتقداتك كافة، نحنُ نولد من صلبِ الحديد هكذا تُعساء، يتم تشكيلنا بطريقة سادية لنؤدي غرضاً وهدفاً واحداً فقط طيلة حياتنا، تخيل ! غرض واحد فقط تتوقف عليه مسيرتك كاملة، كأن تعيش لتبول على عُلبة صفيح قديمة طيلة حياتك تحاول أن تسدد الهدف وتملأ العُلبة دون جدوى! تخيل هذا!

• أنت مسمار؛ عليك أن تُدق وأن يتعرض رأسك الحديد – والذي تعتز بكونه هكذا حديدياً- للطرق، المطارق لا تكف عن مشاكستك والنيل من كرامتك، إنه من الصعب جداً أن تُطرق على خشبة ما ستكون هيكلاً لعامود ما ( لا يتضمن ذلك عواميد الكتّاب بالصحف فهي تُدق بمعيّة الكسل الذي يتغلغل أرواحهم)، ولكنه من الصعب جداً تخيُّل مقدار الألم الذي يحدثه حشرك داخل حائط، مؤلم ومرهق، في البدء تتمنى أن تكون برغياً رغم مقتك الشديد للبراغي – هؤلاء الحُثالة يعتقدون أنفسهم مسامير! ياللمهزلة!- ستدخل بسهولة وقتها، هذا ما يدور في بالك وستعلن وقتها حياة المسامير قائلاً ” تباً، كم هي تعيسة حياة المسامير” ولكن عندما توضع لوحة لفنان ترتسم شهوة الأجساد داخلها أو عبث منظر طبيعي سيزيد الأمر فتنة من كونك أنت الذي ينتصب عليه هذا الفن ليصبح متاحاً للناس، تقول وقتها ” تباً، كم هي رائعة حياة المسامير”، المشكلة إن وضعت لوحة طاغية على كاهليك! ستشعر بثقل العالم على ساقك الحديدية، ستشعر بالخزي!

• نحن المسامير لنا تاريخ طويل ومجيد مع البشرية، بالمسامير فُتِحَت أبواب طروادة وبالمسامير دُكَت القُدس المئات من المرات، وبها صُلّب الدجّالون والفاسقون والأنبياء ومقاتلو الحرية، بها صُنعت صلبانهم وانغرست داخل لحموهم، بالمسامير ترقرقت دماء البشرية، دماء طاهرة وقدسية ودماء فاسدة ونتنة، نحن المسامير الأبطال والسفاحون والقتلة المجهولون في التاريخ.

• ولكن أن تكون مسماراً قد يعني أن تكون متشرداً في الشوارع والأزقة، يخلفونك بعد انتهائهم وانتهاكهم لك، يحطون من قدرك، ويرمونك للرمال، للشمس الحارقة، لعفونة الساعات، للصدأ أعدى أعدائك والشبح الذي يترصد بك في كل ناحية منذ تشكلك.

• عندما تصدأ، عندها تتحول إلى كائن آخر، مسخ؛ وتظل باحثاً عن قدم حافية تغرس فيها صدأك والقيْح داخلها، عندها سترى في مخيالك صورة لقديس أو فاسق وتهنأ لأنك صلبت أحدهم ولم تنتهي نكرةً تخلفه الأتربة تحتها.

مقالات ذات علاقة

الصادق النيهوم… بين محاكم التفتيش ودواوين المحنة…

علي عبدالله

أخف الضررين

عائشة الأصفر

الماضي المنقطع في سرد الحكايات، والنصوص، وفي الترجمة

المشرف العام

اترك تعليق