رجعت صديقتي من بيت (موريسيو) تلك الليلة، واتصلت بي سعيدة بالحفاوة الكبيرة التي غمرتها بها (أم موريسيو) ومندهشة لمذاق الكسكسو بالحوت والحرايمي، ولمائدتها البحرية الطرابلسية بامتياز.. وقالت لي: فاتك جو حلو من الأحاديث والغناء ومأدبة ولا ألذ!!
بصراحه أنا كثيرا ما أمتن للمحكات الصعبة التي تضعني في مواجهة نفسي رغم انزعاجي وكرهي لها في البداية.. لم يكن سهلا على أبدا أن أتقبل فكرة أن يكون لدي أي علاقة بشخص يهودي يا بال أن أتعاطف معه.. ما حصل لي في تلكما اليومين جعلني أعيد قراءة ما حدث لليهود الليبيين بشكل موضوعي بعيدا عن غباء الشعارات السياسية ومبرراتها، كان مجرد تخيل نفسي مكانهم كفيلا بأن يجعلني أشعر بشعورهم.. سألت نفسي: ماذا لو أُخرجت مثلهم من بيتي عنوة ومن بلدي غصبنا؟ وفوق ذلك نهبت أرزاقي وتم الاستيلاء عليها ؟؟؟
جاءت الإجابة بديهية وسريعا، ولا أعرف كيف كان معمي على قلبي وكنت لا أراها؟ فمثلما في المطلق لا نقبل إخراج مما يكون من بيته وبلده والاستيلاء على رزقه وأولهم الفلسطينيين علينا ايضا عدم قبول ذلك في المطلق حتى لو حدث ذلك مع عدونا يا بال إنه حصل مع مواطنين ليبين عزل لا ذنب لهم إلا أن ديانتهم يهودية.. قد يكون هذا الخطأ هو أحد أهم الأخطاء التي أخذت صيغة عطايا منحها غباؤنا العظيم مجانا ومساهمة منا في بناء دولة إسرائيل. فعندما لا يكون لديك إلا ملاذ واحد ينقذك لا بل يقدم لك كل ما يساعدك على أن تبدا من جديد حياة كريمة.. بعد أن طردك ما يسمى بلدك وتم الاستيلاء فيه على كل تملك.. اعتقد انه من غير المنطقي الا تغتنم هذه الفرصة التي ستنقدك وتذهب حيث هي ..ناهيك عن الذين رفضوا هذه الفرصة الذهبية.
واختاروا الرحيل لبلد آخر وفضلوا الناي بأنفسهم عنه بعيدا والبداية من الصفر.. استمرت علاقتي بـ(موريسيو) طيلة إقامتي في روما وتعرفت لاحقا على زوجته الفنزويلية وأولاده وكنا نلتقي من وقت لآخر، فكلما زارني ضيف أو ضيفة من ليبيا يريد ان يتسوق كانت وجهتي الاولى به هي محلات (موريسيو) في فيا نسيونالي..حيث اعتمد تخفيض 30% لكل ليبي يشتري من عنده.. وظل بيننا ما يشبه اتفاق ضمني ينص على عدم الخوض في أفعال قومي القديمة المشينة وأفعال قومه المعاصرة المشينة ايضا.. إلي حد كبير انتصر الانساني فينا على السياسي بجهد كلانا.. وظلت العودة لطرابلس حلمه كما هي حلم كل طرابلسي يهودي ..وكما هي نابلس مازالت أيضا حلم عودة كل نابلسي مسلم أو مسيحي…
انتهى..