خرجنا من محل (موريسيو) محملتين بأكياس التبضع، وذهبنا حيث كانت سيارتي، بعد أن ركبنا السيارة جرى حديث مرتبك بيني وبين صديقتي، كان تفكيري مشوشا جراء ما حدث ولم أستوعب أني كنت أتبادل حديثا مع شخص يهودي بشكل طبيعي..
شيء يقترب من الشعور بالذنب تملكني على عكس صديقتي، التي كانت على ما يبدو أنضج مني سياسيا وعاطفيا، لأنها تقبلت ما حدث في سياقه الطبيعي، حتى إنها قررت قبول دعوة (موريسيو) وامه على العشاء في بيتهم اليوم التالي، بعد أن تتصل بوالدها الله يرحمه.. وسط استغرابي من ردة فعلها العادية وتقبلها أيضا لصداقة والدها بهذا اليهودي، كان الأمر عندي عكس ذلك بالمرة..
حاولت صديقتي أن تغير رأيي بشأن رفضي الذهاب معها للعشاء في بيتهم، لكنها لم تتمكن لأني كنت مصرة على ذلك لعله يشفع لي ما ارتكبته.. في ختام ذاك اليوم وصلتها للأوتيل الذي تقيم فيه على أمل اللقاء في اليوم التالي.. في الصباح أول ما ركبت السيارة، سألتها: أين تريدنا أن نذهب بما إنها ضيفتي وأنا مسخرة بحكم ذلك لخدمتها؟؟
ردت وهى تبتسم: محل (موريسيو)!
نظرت لها بنص عين مستنكرة، وقلت لها: من جدك؟؟؟
قالت: نعم، أمس اتصلت به لأني أريد مصمم مجوهرات ثقة ينفذ لي تصميما في مخيلتي..
بيني وبينكم تكهربت، وقلت في داخلي: باين عليها قصة (موريسيو) هذا مش حتنتهي..
ذهبنا لمحل (موريسيو)، ومنه سيرا على الأقدام كان محل مجوهراتي إيطالي شهير جدا، فهو يلبّس الكثير من نجمات السينما والتلفزيون الإيطاليات، وكذلك شهيرات هوليوود.. وكانت مفاجأة بالنسبة لي ذاك اليوم، أنه أيضا ليبي يهودي.. وأن هذا المصمم العجوز الشهير يتحدث أيضا بطلاقة شيابنا الدارجة الليبية..
أول ما دخلنا محل ذاك الشهير الكبير، انهالت علينا جمل الحفاوة الليبية والمحببة، وطلب منا أن نتبعه حيث إلي الداخل، حيث مكتبه الخاص (كان واضحا أن لديه علم مسبق بمجيئنا).. عندما دخلنا مكتبه.. تملكتني الدهشة وأنا أتامل جدران مكتبه الثلاثة، ممتلئة عن بكرة أبيها بصور لمدينة أعرفها جيدا، طرابلس تملا المكان.. كانت خمسين صورة لها على الجدران، بذاك المكتب شوية… أصدقكم القول الأمر أثارني جدا، وزاد من ربكتي.. وأثناء ما كانت صديقتي تشرح تصميمها للحرفي التنفيذي المساعد للمصمم الشهير اللي طلع هو الاخر يهودي ليبي.. استفسرت بطريقة غبية ومفضوحة عن الصور.. وقلت للمهيب؛ كأنها صور طرابلس؟؟
ابتسم الاثنان (موريسيو) والمجوهراتي.. وامعانا في الغباء قلت للمهيب: يبدو أن طرابلس تمثل الكثير لحضرتك بدليل هذه الصور الكثيرة؟؟
هنا انفجر الأمر وكأني ضغطت بجملتي على جرح غائر، فسقطت دمعة من عينيه، رأيتها قبل أن يشيح بوجهه عني حتى لا أراها.. وسرعان ما تدارك الأمر وتمالك نفسه قائلا، وهو يعطيني بظهره وينظر لإحدى الصور: هل تصدقي أني لا أتمنى شيئاً في هذه الدنيا الآن، إلا زيارة الحارة في طرابلس حتى خمس دقائق قبل ان اموت؟؟؟
يتبع…..