قصة

الوجع

أحمد دخيل بن زايد

من أعمال التشكيلي المغربي خليل بوبكري (الصورة: عبدالمجيد رشيدي-المغرب)

قال الفتى مخاطباً شيخه بعد أن تململ قليلاً في جلسته:

– ما الفرق بين والوجع والألم يا سيدي الشيخ ؟

لمعت عينا الشيخ مع ألسنة لهب خافتة تلتهم أعواداً ثاويةً متبقيّةً على حاشية الموقد، ترنّح قليلاً، حدّق في الظلام، أنصت للسكون، ثم أفرج عمّا في صدره قائلاً:

 – الوجع حالة تُفْضي إلى الألم، وقد تتعدّد الأوجاع وتشتدّ قسوتها، ويصير الألم بفعلها حالةً مريرةً تزداد فظاعةً يوماً عن يوم، فتنتج وجعاً وليداً يسفر عن ألم متجدد وهكذا .. ثم أخذ بالمسْعر ودسه في أحشاء الموقد .. من تحت الهباء تنفس الجمر .. أحس الشيخ برغبة جارفة في إضافة المزيد، فأردف مستدركاً:

– كأنّما الوجع هو الفعل الأول والألم هو الحالة الناجمة عنه وتداعياتها، إنهما يتداخلان إلى حدّ بعيد، فالوجع مؤلم كما أن الألم موجع.

 انتهك شهاب ملتهب حرم السكون السماوي ساقطاً حتى كاد أن يشق الأفق نصفين، تعوذ الرفيقان من إبليس بصوت ووتيرة كادا يتطابقان .. تناول الشيخ المسعر ممهُوراً بالنار، بشغف أشعل لفافته  التي كان قد أنهى حشوها للتوّ من التبغ الغرياني ، قبل أن يٌلقي المُريد بتساؤله الغير متوقع، سحب منه نفساً عميقاً، كمده بصدره هنيهةً، ثم نفث الدخان في غياهب الظلام، امتزجت رائحة التبغ برائحة دخان أعواد الرّمث، تسلّلت ريح وعصفت بالمكان، تحسّس الفتى هذه الأخلاط محاولاً إسقاط جواب شيخه عليها.

 غير بعيد تفجّر عراك بين الكلاب، تناوشت وتناهشت طويلاً، ولم ينته شجارها إلا بفرار أحدها صاعداً لاهثاً ليستجير بالجبل البعيد بعواء حادّ متتابع، أخذت تردده الشعاب القريبة فالبعيدة، جنّ الليل ولم يتوقف العواء ولم ينقطع صداه.

4 – 6 – 2022. الزويتينة. ترهونة.

مقالات ذات علاقة

حَرِيْص

أحمد يوسف عقيلة

الـسـوق

يوسف الشريف

أناقة

أحمد يوسف عقيلة

اترك تعليق