تزوجت أمُّنا أربعة رجال فتدحرجنا منها بأربعة ألوان، هذا ما روته لنا الجَدّة الطاعنة في التاريخ، فنحن لم نرَ آباءَنا ولا أمُّنا التي قيل إنها خرجت تبحث لنا عن الكلأ بعد شحّ الماء عن غوطتنا الوسيعة وتركتنا نتطاحن فوقها، وعليه ـ قد ــ يكون والدنا هو من تزوج من أربع نساء فازت بالغلبة منهن الولود الودود، ـ أقول قد ـ لكن تماهيا برفض فكرة أن نكون إخوة لأمهات مختلفات، فقد اعتمدنا تصريح الجدة، وبقينا نحلم ونترقب عودة أمنا الواحدة!
أسرّ لنا راعٍ طارف بشياهه (ترجانا عدم ذكر اسمه) إنها لجأت إلى نبيّ في محرابه تطلب تعويذة مطر فسخطها نعجة! إي نعم نعجة ـ يقول ـ غابت وسط نعاجه فانقلب مراحه زوبعة، وربحه خسارة، لا ضرع يدر، ولا سمين يغيث!
هاج متعصبٌ للنّبي وقطع رأسَ الراعي، وانفلقنا ستة عشر فيلقا، وخرجنا هذا معه وذاك عليه، وفيالق تطارد النعاج علها تجد أمنا! هذا يصيح وهو يجر معزة سوداء عالية ورشيقة ويقسم أنها الأم المسخوطة، وأشقر يسحب صفراء ويغلظ الإيمان ويصر أنها الأم الأصلية، وأبو جَرد يتشبث بكلتا يديه في صوف نعجة ممتلئة يشمّه والدليل جَرده! بعد أن جروا أمهاتهم المزعومات وسط جلبة الثغاء والمأمأة وفي غوطتهم الوسيعة، اكتشفوا أن صياح الماعز مختلف وأن صوف النعاج ألوان كعباءاتهم! فتناحر السود فيما بينهم كلّ لصيحة عنزه، وتقاتل أصحاب الجرود كلّ ينتصر للون عباءته، وفي كل سكْرة تطلق فيها عنز سوداء صيحتها وتنفش نعجة بيضاء عهنها، تشتعل النيران بين كل ألوان الفيالق على الضروع المنتفخة!
ودون أن ترفع رأسها، تمسح الجدة الطاعنة في التاريخ بكفها على التراب وتنحني تهمس له: (استيقظي أيتها الأم)!!