أبلة حياة معلمتي في المرحلة الابتدائية، لم يكن فعلها متناسق مع اسمها رغم إنها في كل عام دراسي تأتي وبطنها منتفخ وتنتظر مولود جديد…
لقد كانت متغربة وغريبة.. دائمًا غاضبة تدخل الفصل بوجه متجهم وأحيانًا كثيرة تصب جام غضبها علينا دون سبب، تبدأ بسيل من الكلمات التي لا نعرفها بلهجتها، ولكن كلمة (يا نَّور) أكثر شيء علق على لساني، كنت أعرف ان معناها غير ظريف من طريقة صوت ابلة حياة وهي ترميها في وجوهنا. وقتها كنت أحزن كثيراً وتدمع عيني -أحيانا- عندما أكون غاضبة، أقف أمام المرآة في بيتنا وبيدي مسطرة ألوح بها في وجه تلاميذي الافتراضيين واصفهم بها (يا نَّور) وأضيف كلمة يا حيوانات من عندي. تجرأت مرة وسألتها، ما معناها، ضحكت ولأول مرة أراها تبتسم وقالت بقرف: ”معناها يا غجر“…
لم أعرف معنى هذه الكلمة أيضًا وكأنها فسرت الماء بالماء، ولكن تأكدت انها تسبنا على أية حال، زاد فضولي وسألت والدي هذه المرة فقال لي هم أناس يعيشون في أقليات لا تحكمهم قوانين ولا حدود، عابرون للمكان والتاريخ لهم لغتهم وملابسهم الخاصة مشهورين بالسحر والشعوذة، لم يكن كلام أبي واضحاً بما يناسب عمري، لكنه بالنسبة لي مثل قوقل في وقتنا الحالي، دائمًا ما أعود اليه إذا استعصى علي أمرًا ما، وتساءلت ما الرابط الذي يربطنا نحن تلاميذ الصف السادس بهؤلاء الغجر؟؟ لقد كنا بكامل هدوءنا وأدبنا وخاصة في حصة العربي وهي المادة التي درستنا فيها أبلة حياة لعامين على التوالي.
تذكرت كل هذا بعد أعوام كثيرة، فهناك مواقف لا يمكن ان تتجاوزها بسهولة خاصةً إذا تركت أثر في نفسك، يومها مررت بمجموعة من الغجر وقد حطوا الرحال قريبًا من النهر الذي اتمشى بمحاذاته كل يوم لأقلل رتابة هذه الشهور الصيفية الطويلة، كانوا قد انهمكوا في العزف والرقص لا يفارقهم الضحك غير مبالين بما يحدث على الضفة الأخرى وكأن هذه الحياة لا تستحق إلا ذلك، تمنيت وقتها أن اشاركهم كل ذلك، وكأنهم شعروا برغبتي فتلقيت دعوة للانضمام لهم وبدون تردد اقتربت جلست بالقرب منهم شاركتهم التصفيق والرقص على أنغام الاكورديون، وقتها شعرت برغبة بأن أقول بصوت عالي (أبلة حياة، لقد أصبحت من الغجر).