سؤال
بعد أن أطل البدر من خدره نشواناً، خرج حمدون من حانة ديميتري مترنحاً سكراناً، توقف، نظر إلى السماء الداجية والبدر الأنيس، تخيّل أن مطراً غزيراً ينزل فوق رأسه بجنون، أحسّ أن المطر بلله، دار حول نفسه.. فزّ داخل رأسه عفريت سؤالٍ: هل ثمة حقاً مطر غزير في حياتي؟ أم ليس على الخمران حرجٌ ؟
لستُ موجود
قبل أن يلج إلى سوق الظلام قال في عجل: سأجد حتماً ما أبحث عنه ! في طريقه مرّ بأزقة مزدحمة، زنقة، زنقة، الليل لم يبدأ، يعرف أنّ الليل لم يبدأ، بدأ الغروب يُقبل ويمرّ متسلّلاً قليلاً، قليلاً، فقليلأ يجثو على أعشاب المساء.. بعد قليل ستغيب شمسه خلف ثياب الأفق البعيد وأماسيه الوضيئة.. ثمّة غيمةٌ مرّت من خلف السحائب بملْ الماء مهدورة الهدف.. مرّت في عجل من دون صوت.. عندما وصل حيث يكون السوق لم يجد للسوق من أثر، تعجّب وسأل بثبات وحماس: هل تفنى الناس وأزقة الناس وأسماء الناس ؟ انتبه لهذيانه، ازداد هذياناً فاِنبسط في الكلام: هل لي في هذا الكون من معنى ؟ وتبريراً لهذيانه قال لنفسه وصوتُ النغمة يرن: أنا لستُ في السوق، إذن أنا لستُ موجود؟
نغمة هنيئة
قالت بنبرة حزينة: أهدرتُ جلّ زهاء أيامي أعمل موظفةً في مكتب حكومي بين الموت والحياة محاولا أن افرز الالوان، ما اِنتفعت من السنين التي مضيتها فيه، أهدرتها مع نفرٍ لم يتقنوا طوال الوقت غير الثرثرة في كلّ شيْ خارج الزمان.. ذات يومٍ تساءلت في صقيع الصمت: كيف لي أن أبقى وقد ضاعت صفوة عمري في هذا المكتب التعس ؟.. مرّت عدة دقائق، مرقت مسرعة تعدو في فرحٍ، مرقت مع الخلود المصاحب.. بعد لحظاتٍ كانت استقالتها بين يديّ رئيس المكتب الحكومي.. وعلى ضفاف شاطئ بحر رأس الهلال وغايته العالية كانت تقتاد من نسائم البحر نغمة هنيئة.