السبت, 29 مارس 2025
المقالة

حكايتي مع شاعر الوطن.. 2

الشاعر محمد الشلطامي
الشاعر محمد الشلطامي

شاعر في الظل:

هذا هو عنوان مقالتي التي كتبتها بمناسبة صدور مجموعات شعرية متعددة لشاعرنا الكبير محمد الشلطامي.. صدرت عن (الدار الليبية للنشر والتوزيع والإعلان).. وبسبب التخوف الكبير من الشلطامي وشعره.. لم استطع نشرها في الصحف والمجلات الحكومية.. فنشرتها ببعض المواقع الإلكترونية المعارضة.

تساءلت في مقالتي هذه عن سبب عزلة شاعرنا الكبير.. وعزوفه عن المشاركة في المهرجانات الشعرية والملتقيات الأدبية.. رغم أنني كنت في الواقع أعرف جيدا أسباب عزوفه وسبب عزلته.. وكانت كل التساؤلات التي طرحتها.. تعبر وبصدق عن إعجابي وتقديري لشاعرنا الكبير:

قلت: لماذا لملـم محمد الشلطامي حاجياته وأدواته ومخطوطاته الشعرية.. وترجل عن حصان الشعـر.. وانسحب إلى الظل مبكرا…؟ لماذا فعل ذلك وقد كنا وما نزال.. أحوج ما نكون إلى شاعر كبير وصادق وقدير مثله…؟

ليعد من غابة الصمت
من طاحونة الحزن إلينا
حلمنا المنثور في قبضة ريح
فجر الغضبة.. فجرها ودعني أستريح

(أناشيد عن الموت والحب والحرية)

هل أدرك منذ البداية.. أن حصانه المتعب الذي كان يسابق الريح.. ويحلق في فضاء الشعر.. لم يعد قادرا على مواصلة السير إلى نهاية دربه الطويل المليء بالحواجز والضفادع والمطبات…؟

لماذا فضل الانسحاب بصمت وسلام.. وبهدوء تام ودونما استئذان.. لينزوي وحيدا لأكثر من ربع قرن.. متوسداً جرابه المليء بالشعر والحلم والآمال العراض…؟

هل أدرك أنه لا يستطيع مجاراة أغلمة الشعر وشعراء البلاط…؟ أو أنه لا يجيد ألعاب السرك وأعمال الحواة التافهين.. الذين يعترضون طريقه أو يتتبعون خطاه…؟

لماذا فعل ذلك…؟ ولماذا لم نعترض طريقه.. ونمسك بزمام حصانه ونقوده إلى الساحة من جديد…؟ لماذا تخلينا وبهذه السرعة عن شاعر قدير وعظيم كما وصفه البياتي…؟

لماذا وخلال هذه المدة كلها لم نسأل عنه.. ولم نطرق بابه.. ولم نقدم باقات الورد وأطواق الياسمين…؟ ولم لا وقد أحبنا كثيرا.. وتعذب من أجلنا كثيرا.. أحبنا وأحب وطنه.. أكثر من كل شيء آخـر.

حبي إلى الذين سوف يأتون.. ولن أراهم.

(أناشيد عن الموت والحب والحرية)

لماذا لم يفكر القائمون على الإعلام والثقافة في بلادنا.. أن يذهبوا إليه.. ويطرقوا باب داره مع بداية كل عام جديد.. ويطوقوه بأكاليل الزهور.. ويرشوا حصانه المتعـب بمـاء الزهر.. ويقودوه إلى الساحـة من جديـد…؟ لماذا وبعـد أكثر مـن ربع قرن مـن العزلة التامة – لم نقم له عرسا ثقافيا يليق بمقامه ونحتفي به وبشعره.. ليت أصحاب القرار في بلادنا.. يتعلمون منه أن قصائد الشعر الجميلة.. كالطيـور المهاجـرة، لا يمكن محاصرتـها:

يجهـل السلطان أن الكلمات الدافئـة
كالعصافير التي ترحل.. مـن كل مـكان
وإلى كل مكان.. دون أن تحمل تصريح الدخول
يجهل السلطان أن الكلمات.. الخضر لم تولـد
ولن تفنــى.. على بوابـة القصر الكبير
ولذا يحفـر قبره.. حينمــا يحفــر قبــر الكلمــة

(أناشيد عن الموت والحب والحرية)

وشكرت في نهاية مقالتي القائمين على الدار التي تولت طباعة مجموعاته الشعرية.. لأنهم أتاحوا لنا وبعـد طول انتظار.. اقتنـاء المجموعة الكاملة لأشعاره وأفكاره.. شكرتهم لأنهم أدركوا أخيرا أننا لم نعد نطيق كل ذاك الهذيان.. الذي يهرف به من لا يعرف الشعر.. وما أكثر المتشاعرين الذين يدعون قول الشعر والشعر منهم براء.

الشلطامي وأغلمة الشعر:

ما من مقالة أو دراسة كتبتها إلا وكان من وراء كتابتها سبب ما.. سواء أأعلنت عن السبب في ثناياها أم لم أعلن.. ومقالتي: (شويعر ما).. كانت بسبب تأثري بشعر الشلطامي.. وبالذات عندما قارنته بما سمعته ذات يوم من.. شويعر ما.. لم أتطرق لذكر اسمه.. لإدراكي بأنه سيتعرف على نفسه من خلال تلك المقالة.. أو من خلال شعر الشلطامي إذا ما فكر في مطالعته والاستفادة منه.. ومن تجربته الشعرية الفذة ومعانيه الراقية النبيلة: 

وتظل تركض والكلاب النابحات على خطاك
والجرب والمتشاعرون.. وباعـة الصحف القديمة
يتهامسون إذا مررت مـن الأزقة فالغنيمة.. هــو أنــت
فابك ما تشاء.. على مبادئك العظيمة

(منشورات ضد السلطة)

الشعر في اعتقادي كالذهب سواء بسواء:

فكما أن الذهب إما أن يكون ذهبا أو لا يكون.. فكذلك الشعر إما أن يكون شعرا حقيقيا صادقا.. يأخذ بمجامع النفس.. وتطرب له العقول رضا وقبولا أو لا يكون.. ومدعي الشعر هو الآخر.. إما أن يكون شاعرا كبيرا تضرب إليه أكباد الإبـل وتهلك دون الوصول إليــه.. وإما أن يكون متشاعرا صغيرا.. يتعب نفسه لإيصال شعره إلى الآخرين.. ويدعي قول الشعر والشعر منه براء.

أنا راحل للشمس أركض.. مركبي قلبي
وضوء النجمة المتعالي
 مـاذا يضير الناس.. لـو رحلوا معـي
ما زال في قلبي مكان خالي.

مقالات ذات علاقة

الدستور والوصاية

علي عبدالله

تُنْ … مُربى … حلوة طحينية

عزالدين عبدالكريم

الحالة الليبية: الوفاق او التدخل

أحمد معيوف

اترك تعليق