حط العندليب فوق غصن الشجرة ثم بدأ بالغناء، لقد كان صوته جميلا وجذابا للغاية، الأمر الذي جعل الحيوانات تجلس إليه وتستمع له مستمتعة بغنائه الطارب والشارح للصدر.
كانت الغابة خالية من الحيوانات عندما رفرف الغراب فوق النهر ثم نزل واحتسى الماء عند الضفة، استغرب غياب الحيوانات وسأل فرس النهر:
– أين ذهبت الحيوانات يا فرس النهر؟
أجاب فرس النهر:
– إنهم مجتمعون في طرف الغابة عند الشجرة الكبيرة.
نظر الغراب لفرس النهر متسائلا:
– وماذا يفعلون هناك؟
رد فرس النهر:
– يستمعون لغناء العندليب الرائع.
قال الغراب متنهدا:
– آه … هكذا إذن.
طار الغراب حتى وصل إلى تجمعهم وكان العندليب قد انتهى من أنشودته والحيوانات تصفق بحرارة لأدائه البديع.
اغتاظ الغراب منه وشعر بالغيرة فحط على الغصن قرب العندليب وقال موجها كلامه للجمهور المصفق:
– والآن سأغني لكم بصوتي الجميل بل الأجمل من العندليب.
ومباشرة شرع في الغناء ولم يترك لهم فرصة للرفض أو القبول.
كان صوته نشازا ومعظم الحيوانات صرخت فيه وطالبته بالتوقف ومنهم من فر هاربا من نعيقه القبيح ومنهم من سد أذنيه ساخطا عليه. توقف الغراب عن النعيق و الغضب يحتدم بداخله، قال متواعدا:
– تبا لكم سترون نهاية الأسبوع لقاؤنا هنا في منافسة بيني وبين هذا العندليب الأحمق.
ظلت الحيوانات تسخر منه وأخبروه بألا يتعب نفسه فإنهم يعرفون النتيجة سلفا ومهما فعل فصوته سيظل نشازا ومذموما بين كل الأصوات.
لم يبق على نهاية الاسبوع إلا أربعة أيام فقط قضاها الغراب في تدريب شاق ممرنا صوته كل مرة مجربا لطبقة موسيقية تختلف عن التي قبلها، كما تنقل بين الطيور وراقب كيفية تحريك مناقيرها، لكن بعد محاولات كثيرة فشل في تعديل غنائه الشاذ وكان ينوي الانسحاب في اللحظة الأخيرة إلا أنه تذكر ما ستروجه الحيوانات عنه من أنه فاشل وليست لديه قدرة على تحدي الآخرين ومخجل أن يتراجع عن أمر قرره.
تجمعت الحيوانات تحت الشجرة وبدأت المنافسة بغناء العندليب وأنصت الجميع في انتشاء وانسجام، و بعد ما أكمل معزوفته صفقوا بقوة تشجيعا و شكرا له.
جاء دور الغراب الواقف بجانب العندليب، شعر بالارتباك بسبب تغامز وتهامس الحيوانات لبعضها، لكنه تمالك أعصابه و بدأ يغني.
كان الجميع ينظرون إليه في دهشة ويفركون أعينهم كأنهم غير مصدقين أن الغراب هو من يقوم بالغناء، الصوت رقيق ورائق لا يشبه صوت العندليب ولا هو نعيق الغربان، بل كان صوتا فريدا من نوعه جعلهم يثنون على صاحبه ويطلبون سماع المزيد.
بعد انتهاء المنافسة بفوز الغراب، لم تعترف الغربان بانتماء الغراب إلى فصيلتها؛ لأنه فقد صوته الحقيقي من شدة تقليده للأصوات المختلفة، ولم يعرف أي فصيلة ينتمي إليها و ظل الغراب منبوذا بين الطيور.