قراءات

قراءة في كتاب يوميات مغربية 1989م

أحمد الطلحي – المغرب

غلاف كتاب (يوميات مغربية) للدكتور “عمار جحيدر” صدر عن مكتبة طرابلس العلمية العالمية

“يوميات مغربية 1989″، كتاب من تأليف د. عمار محمد جحيدر، ضمن منشورات مكتبة طرابلس العلمية العالمية، والذي طبع بطرابلس (طبعة ثانية) ونشر سنة 2021. وهو مكون من 192 صفحة من المقاس المتوسط، مع لوحة للغلاف عبارة عن صورة بالألوان لباب أحد المنازل العتيقة المغربية (في الغالب في قصبة الاوداية بالرباط).

الكتاب عبارة عن مذكرات للكاتب الليبي د. عمار محمد جحيدر عن رحلته الأولى للمغرب سنة 1989 من أجل الاطلاع على المخطوطات الموجودة في المكتبات المغربية، خصوصا المخطوطات المتعلقة بالرحلات التي قام بها علماء مغاربة إلى ليبيا، التي كانوا يزورونها خلال رحلتهم لأداء فريضة الحج ذهابا وإيابا، حيث كانوا يلتقون بعلماء ليبيا ومثقفيها، وكانوا يدونون هذه الرحلات التي لا تزال محفوظة في المكتبات العامة المغربية.

والكاتب الباحث آنذاك كان يريد دراسة الحالة الفكرية والثقافية في ليبيا من خلال أدب الرحلة الذي اشتهر به الرحالة المغاربة أكثر من غيرهم. ويظهر أنه وجد ضالته من خلال زيارته لعدد من المكتبات العامة والخاصة، وبالأخص في الخزانة العامة والخزانة الحسنية في الرباط والمكتبة الصبيحية في سلا وخزانة القرويين في فاس.

الكتاب هو من جنس المذكرات، يتكون من تقديم ومن 27 يومية بعدد أيام الرحلة التي امتدت من 25 مايو 1989 إلى 19 يونيو 1989، ومن فهارس مفيدة جدا (فهرس الأعلام، وفهرس الجماعات، وفهرس الأماكن والبلدان والمؤسسات، وفهرس الوثائق والمخطوطات، وفهرس الإشارات) بالإضافة إلى ملحق مصور.

الانطباع العام هو، كتاب مشوق، لما تبدأ بقراءته تحاول أن تنتهي من قراءته بسرعة بدافع الشوق والرغبة لمعرفة كل أطوار رحلة الكاتب ونهايتها. وهذا ما حصل لي إذ قرأت الكتاب في يوم واحد وبدأت في كتابة هذه القراءة في نفس اليوم وأنهيتها في اليوم الموالي. قد يشعر القارئ بالمتعة في فقرات أكثر من أخرى، وبالنسبة لي كانت متعتي في الفقرات التي كان يسرد فيها الكاتب للأحداث التي عاشها في رحلته للمغرب أكثر من التفاصيل العلمية والنصوص التاريخية التي نشرها في الكتاب، والتي بكل تأكيد سيجد فيها المختصون متعة أكثر.

الأسلوب الذي اعتمده الكاتب أسلوب سلس جدا وممتع ومشوق، بحيث كان يسرد الأحداث ويجعلك كأنك تعيش القصة، ويجعلك في عجلة من أمرك لاكتشاف كل أطوار القصة ونهايتها. والرجل كان يوميا يكتب هذه اليوميات، والأسلوب وكم الأفكار والمعلومات الواردة في كل يومية تنم عن كون الكاتب كان يبذل جهدا كبيرا في ذلك، بحيث كان عندما يرجع كل يوم إلى الفندق ليلا كان يبدأ مشوارا جديدا إضافة إلى مشاويره النهارية بين المكتبات واللقاءات العلمية، وهو تدوين كل أحداث اليوم.

الكاتب ذكر أسماء عدد من الشخصيات العلمية المغربية التي التقاها في هذه الرحلة وكانت له معهم لقاءات مطولة سواء في الرباط أو في فاس، هؤلاء الشخصيات هم أعلام مشهورون، هم من ساهم في تأسيس الجامعات المغربية بعد الاستقلال وقاموا بتكوين عدد كبير من الأطر المغربية وكانوا من رواد البحث العلمي بالمغرب، خصوصا في سنوات السبعينات والثمانيات والتسعينات من القرن الماضي، وهم من أثرى المكتبة المغربية بمؤلفاتهم، بل أكثر من ذلك هم من برزوا الهوية المغربية والثقافة المغربية وساهموا في التعريف بها ونشرها داخل المغرب وخارجه. هؤلاء الأعلام أغلبهم انتقل إلى دار البقاء رحمهم الله جميعا، والبعض منهم تقلد مناصب أكاديمية والبعض الآخر وصل إلى مناصب عليا في الدولة كالدكتور عباس الجراري الذي أصبح ولا يزال مستشارا للملك والدكتور أحمد التوفيق الذي تقلد منصب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية لمدة حوالي عشرين سنة إلى الان.

الفترة التي تحدث عنها الكاتب يمكن نعثها بفترة الازدهار الثقافي بالمغرب، بحيث تم فتح عدد من الجامعات في مختلف جهات المملكة، وكانت الحواضر المغربية تعج بالأنشطة الثقافية والأكاديمية، وكان الإعلام يغطي عددا من هذه الأنشطة ويستضيف هذه الشخصيات العلمية التي أصبحت نجوميتها تكاد تنافس نجومية الفنانين والرياضيين.

كما أنه يمكن اعتبار الكتاب أحد المصادر التاريخية غير المباشرة، إذ من خلاله يمكن التعرف على الوضع العلمي والثقافي للمغرب في تلك الفترة، كما يعطينا فكرة عن صعوبات البحث العلمي آنذاك بالرغم من توفر كل الوسائل التقنية والتنظيمية المتطورة التي كانت منتشرة في ذلك العصر.

أحداث الكتاب ذكرتني بسنوات التحصيل الدراسي الجامعي، ففي هذه السنة 1989 حصلت على الإجازة في شعبة الجغرافيا من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس وانتقلت لمتابعة الدراسات العليا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. وبالتالي كان لي الشرف أن أتعرف على أغلب الشخصيات الأكاديمية التي ذكرها الكاتب، كمتابع لأنشطتهم العلمية والثقافية في فاس (الدكاترة: عبد السلام الهراس، وعبد القادر زمامة، وأحمد العماري، وهاشم العلوي القاسمي) وفي الرباط (الدكاترة: عباس الجراري، وعلال الغازي، وأحمد التوفيق، ومحمد المنوني، وعبد الهادي التازي، وفاروق حمادة، ومحمد فاروق النبهان، ومحمد حجي، ومحمد بنشريفة…)، بل إن البعض منهم التقيت بهم وتعرفت عليهم عن قرب واستفدت منهم كثيرا وأخص بالذكر الدكاترة: عبد الهادي التازي وامحمد بن عبود وعبد السلام الهراس وهاشم العلوي القاسمي وأحمد العماري.

كما أن سنوات الثمانينات وبداية التسعينات، تميزت بوفود عدد كبير من الأشقاء الليبيين للمغرب، إما بغرض السياحة أو بغرض الدراسة، خصوصا بعد توقيع اتفاقية الاتحاد العربي الأفريقي في 18 أغسطس 1984 في مدينة وجدة بين المغرب وليبيا واتفاقية اتحاد المغرب العربي التي وقعت في 17 فبراير 1989 بمراكش. في هذه الفترة كانت هناك رحلات جوية وبحرية منتظمة تربط بين المغرب وليبيا، ونتمنى صادقين أن تعود هذه العلاقات بين البلدين الشقيقين كما كانت في السابق أو أفضل، وأول ما يجب القيام به في نظري من أجل ذلك: إلغاء التأشيرة وعودة الرحلات البحرية والجوية .

مقالات ذات علاقة

قصص رؤيوية

ناصر سالم المقرحي

وقفاتٍ مع التعليم في ليبيا

عبدالعزيز الزني

نجوى بن شتوان .. وتعرية أمراض المجتمع الليبى

إنتصار بوراوي

اترك تعليق