الفنان التشكيلي الليبي علي الزويك، من مواليد 1949، قيل أنه «يرسم المائيات بأسلوب شاعري، مع نظرة تمتزج فيها الواقعية بالخيال والطفولة، فنجد الثمار والأواني أقرب إلى الحشرات أو الحيوانات».
ويعد من أهم الفنانين العرب، ناهيك بالليبيين، المعروفين على مستوى عالمي. ولقد استضافته واحتفت به العديد من الدول الأوروبية كالنمسا وسويسرا، ورأت البعثة الفنية السويسرية التي تشرف عليها اليونسكو (المنظمة الدولية للثقافة والفنون) أنه من أصدق المؤشرات، التي ترى أنه امتداد لفن ما قبل التاريخ الموجود في جبال (تيبستي واكاكوس) في الجنوب الليبي. ورأت فيه دوائر نقدية عربية وأجنبية أنه فنان متفرد لا يقلد أحدا بل ينطلق من تجربته الروحية والمعرفية الشخصية. صدر له كتاب (فيوض السرد- فن الخلية) متضمنا أعماله الفنية مع قراءات نقدية عربية وغربية رأت أن تجربته متفردة.
هو القائل: «مدرستي زملائي..»
قال عنه الباحث الليبي عبدالمنعم المحجوب ما معناه: إن تجربته تعد مغامرة، أبعد حدود معرفتنا وقدرتنا البصرية، ولفهمه يتعين ألا تقاس بمدار النقد المتعارف عليها، وإنما تبدأ، وتنطلق: «من مجالات وتجارب إنسانية ومعرفية أخرى أهمها التصوف غير المعزول عن العالم وعن الزمن، فكل من يرى هذه المائيات سيكتشف أي تصفية معرفية قام بها الفنان قبل أن يكون في إمكانه إنجاز هذه الأعمال، وكل من يقف أمام هذه التجربة يكتشف أي اطلاع كبير يستند إليه علي الزويك».
ذات معرض، أقيم سنة 1992 في قصر الأميرة عائشة في مدينة القاهرة، وقف الوزير الفنان التشكيلي فاروق حسني متأملا لوحاته، ثم سأله: «أين درس الفن التشكيلي؟» فأجابه بأنه لم يدرسه! فعقب الوزير قائلا: «.. هذه أعمال دارس!» فأجبته: «مدرستي زملائي..» وكانوا حينها ملتفين حوله.
صدر له كتاب «فيوض السرد.. فن الخلية»، الذي احتوى 38 لوحة، كتب الناقد المصري أسعد عرابي، مقدمة له، جاء فيها: «تختلط في مائدته التخيلية ثمار الموز والحشرات والذبائح والأواني الطقوسية هي الأقرب إلى كينونة الزواحف الحية تتلاصق الأشياء عضويا. حتى لتبدو أقرب إلى الأحشاء الباطنة المستخرجة حديثا بنزيفها الدموي وخفقها البيولوجي وكأنه يسلخ الكائن الحي (بما فيه الإنسان) من ألبسته وجلده وعظامه التي لا زالت تحمل سخونة الذبح والسلخ والنزيف المحترق تغلب عليها هيئة القلب الطازج الأشبه بالأشياء الحلزونية المقتلعة من صدفة الانطوائية للتو والمرمية في فضائح الشمس على الشاطئ والرمل الملتهب».
متاهة كائنات الزويك، في فتنة بياض لوحاته…
ويتناول الكاتب ناصر سالم المقرحي «متاهة كائنات الزويك، في فتنة بياض لوحاته» فيخبرنا عن أعمال هذا الفنان المتفرد في تشكيله المليء بالرموز والإشارات. مفسرا أن تأويل رموز يصل إلى المتلقي من ذلك السطح المشتعل بالبياض، بما يصل العين من تمازج الألوان والإيحاءات ويظل المتلقي مأخوذا بما يرى، من دون أن يفهم أو يعرف إلى من بعد انتقال بصره إلى الفضاء الأبيض عندها تتشكل جماليات الألوان وتتحدث الرموز والإيحاءات، بما خلقه الفنان: «من أشيائه الخاصة التي هي بهيئة كائنات تدور في فلك المتاهة المشرعة على المطلق وتحل في الفراغ وبلا خلفية أو قاعدة في الأعم تستند إليها، وكأنها قدت من اللا شيء بينما المعنى كله ينطوي بداخلها، ويتاح ذلك للفنان بضبطه لعملية التبقيع وإذابة الألوان في بعضها البعض برهافة وصبر ومراقبة أو مباركة عملية اقترانها الخلاق، والعمل على تهيئة شعائر تداخلها غير التعسفي حتى درجة التحلل التام وانعدام الحدود الفاصلة فيما بينها في توجه جمعي تتضافر فيه كل إمكاناتها ويتلاشى فيه الواحد لصالح الكل».
ولا أعتقد أنه يخفى على أحد أن الرمز والتشكيل الملون، والفضاءات البيضاء كلها ساحات فسيحة لما يعتمل في ذات الفنان من رؤى، قد تقدم مباشرة، أو من خلال رمز، وتلوين، يبرز ما يريد الفنان قوله، وفي الأحوال كلها تكون المتعة البصرية للتشكيل هي التي تفرض على المتلقي الوقوف طويلا أمام اللوحة وتأمل جمالياتها، فتلك هي مهارات الفنان إلى توصيل ما يريد إيصاله.
بوابة الوسط | الثلاثاء 25 مايو 2021