قصة

بوابة جُحا المعرفية

بورتريه صخري - من أعمال التشكيلي الليبي محمد بن لامين
بورتريه صخري – من أعمال التشكيلي الليبي محمد بن لامين

 

 (أ)

عندما شاع بغتةً في مدينة جُحا وفي كل المنابر والمواقع والفضائيات نبأ حرية الفكر والتفكير والديمقراطية وحقوق الإنسان واِعادة بناء الدول ومحاربة الإجتياح “الكوروني”، وكل أقارب ومعارف هذه المفردات والعبارات والمفاهيم وعشائرها وكل شيء يأتي منها، قرّر حينها جُحا اسوة بالجميع أن يفتح بوابةً استشاريةً، سياسية، ثقافية، معرفية،اِخبارية، يمينية، يسارية، دينية، ليبرالية، مستقلة تلتزم الصدق والمصداقية والسيرعلى الصراط المستقيم وهدى العقل والتفكير العقلاني الناقد والتي تتناول جميع هذه المفاهيم وملحقاتها ومشتقاتها وما طاب منها وأفاد من أجل خدمة البشرية وأهالي ليبيا ومن كابد ذلّ التشرد وطول السهاد وانتظار الكهرباء وعطاش السواقي وكل من كابد في المنافي وفي بلاده..

(ب)

 قبل افتتاحها بيومين عَلّق جُحا على باب البوابة لافتةً من أجل جذب الناس إليها وحتى لا تضيع الفرصة السمحاء على زبائن المدينة؛ تقول: “عندنا كل الإجابات لكل الأسئلة السهلة والمستعصية على الفهم.. لا تتردّدوا خوذوا منا وعنا مطمئنين الإجابة الفاحمة النهائية عن أيّ سؤالين مهمين في معظم الشؤون الاجتماعية والسياسية والثقافية والفنية والتاريخية وأفاهيم المجتمع المدني والدولة والنشرات الجوية وحاويات النفط والأتتخابات البرلمانية والرئاسية وروائع الوطن والمسلسلات وحتى الفتاوي الدينية وغيرها من الأسئلة وذلك؛ انتبهوا، انتبهوا: سؤالان ، بعشرين دينار فقط، هيا تعالوا لتعرفوا ولتتعلموا بثمن بخسً وفي وقتٍ قصيرٍ.. نحن نتعامل مع كل أنواع الزبائن من الأمي غير المتعلم إلى حتى العارف بكيف تواجه المحن ومشاكل العالم المستعصية”..

(ج)

وفي المدينة، كالكثيرين، سمعت طائفة من المثقفين عن هذا الخبر الذي شاع كالهشيم في مواقع الإتصال الإجتماعي وتناقلته أخبار الفضائيات المرحة وصفحات الفيس بوك والجرائد الحائطية، وقرّروا فيما بينهم على أنْ يهزأوا به كعادة احتقار بعض المثقفين لبسطاء العلم والمعارف وقليلي التعليم وبالذات هولاء الذين لا يعرفون معنى “الهوية الوطنية”، كما اِختاروا أحدهم الأوفى حظاً في طرح الإسئلة والتفكير الناصح لمساومة جُحا ثمّ انطلقوا إلى البوابة فرحين،

(د)

أهلاً وسهلاً قال جحا وأضاف كيف يمكن أنْ أخدمكم أيها السادة؟

.. بهدوء وثقة كبيرة تقدم المثقف المختار من بينهم وعلى وجهه آمال كبيرة ومدّ مسبقاً بالدّنانير لجُحا قائلاً على عجلٍ بنبرة الناصح: هذه هي العشرون ديناراً يا مولانا ثمناً للإجابة عن سؤالين كما تقول اللافتة، ثم تابع بنبرة الشّطار في اِبتسامٍ لا يخلو من الزهو والذكاء: ولكن، ولكن ألا تَظنّ يا مولانا جُحا بأنّ العشرين درهماً ثمناً غالياً  للإجابة عن سؤالين فقط؟

(هـ)

 ففي لحظةٍ أقل من ثانية وبنظرة خاطفة تطلّع جُحا إليه وإلى أقرانه مُستهزئاً وتابع قائلاً في اطمئنان وهو يبتسم بسخرية جحاوية  ناصحة: هذا سؤالك الأول يا سيدي فما هو سؤالك الثاني؟  

مقالات ذات علاقة

رحلتي داخل غرفة العمليات

امغلية العقوري

التـمـثــال

محمد المغبوب

خـبـزة الـبـخـت…

فهيمة الشريف

اترك تعليق