قصص قصيرة جداً
من شيم الجثث
من سفح هضبة منخورة بالرصاص هبطت جثة في موتها غارقة، هبطت لوسط المدينة المأسورة، تصرخ في وجه الليل الداجي، عيونها جاحظة يأوي إليها الظلام، جثةٌ خلفتها قذائف مدافع اللواء الكبير في مساءٍ محرق، ضحكت بصوتٍ عالٍ، عادت إلى المقبرة غاضبة استقبلتها بقية الجثث بنكهة الموت المهتاج إلى الدم. شقت هدأت الليل انفجار قنبلة.
صيحة طعينة
في الليل العميق، تحت المخالب الطُلِس بعد أن خرجت جميع الجثث من مقابرها تنوح عادت الجثة في موعدها الذي اعتادت العودة فيه إلى بقية الجثث منكسة الرأس، نشبت أظافرها في وجه القبور وفي الأسلاك الشائكة وفي الفراغ المؤلم وصاحت: شُكراً لمن كذبوا عليّ وقالوا إنّي بطل المدينة. تدثرت بالثّرى ونامت.
زلت به القدم
للحظة مجروحة رأت الجثة الفستان الجميل الرهيف الذي ترتديه سيدة تمرّ مسرعة بشارعٍ قريب من المقبرة؛ يحيط بعنقها عقد من الذهب المطرز بالياقوت، حملقت الجثة في السيدة، قالت وهي تضحك: سأكتب عن هذه السيدة ذكرياتٍ في قبر مهجور، انتبهت لها جثة أخرى فقالت بصوتٍ هادئ: احتفظي بذكرياتك حتى يرجع من رحلته: الوطن.
منفى
قرّرت جثتان النزول إلى وسط المدينة مع طيوف منتصف الليل، طاف المنون بهما، اندهشت الجثتان فثمة رجلٌ ثمل يأكله الإعياء يترنح من سكره ذات اليمين وذات الشمال، قررتا الجثتان الكشف عن هويتهما والمثول أمامه، توقف بعد أن رآهما تحت داجٍ من الظلم، لم يرتعب أو يخاف فقال ولحظ عينيه في لهيف من الشرر: أنتما جثتان ونحن في كل هذه المدينة لنا ساحة منفى يقطنها النبلاء.. تلاشت الجثتان فتمتم وهو يشير إلى نجمٍ منكود: يا إلهي إنّها لبوخة ردئية.
معبدٌ له أجنحة
اجتمعت جميع جثث المدينة ذات ليلٍ دامس وهي تخفي حزنها بالظنون الكواذب، تحلم بحرية ضائعة لبلد باقٍ رهن سياط أقدام التيه السحيق، أبصرت في موتها عبثَ مضجع الموتِ فقررت أن تبني من تراب القبور معبداً لا يطويه الموت ولا يدخله الكذب ولا يمزقه الردى، سمعت الجثث أنفاساً مختطفة آتية ً من وراء المحن الهوجاء.. زحف الخوف المفجوع نحو هامات الجثث ورفعت يديها في السماء داعية أن تصرف عنها أشباح الشياطين.