1
بالرغم من صفحاته التي لم تتجاوز الـ159 صفحة من القطع المتوسط، إلا أنه احتوى على تعريف بالكثير من أعلام المالوف ورواد الغناء في مدينة طرابلس. ومما يميز هذا الكتاب أيضا أن صاحبه مشتغل بالموسيقى، وصاحب تجربة كبيرة في هذا المجال بين العزف والتلحين، والتدريس، والكتابة في تاريخ الموسيقي الليبية.
الكتاب المقصود، هو (من أعلام المالوف ورواد فنون الغناء في مدينة طرابلس)1، للأستاذ بشير عبدالعزيز الغريب، والصادر عن مكتبة الكون، التي من الواجب شكرها لما تقدم من جديد للمكتبة الليبية.
2
في مقدمة الكتاب، يوضح الأستاذ الغريب سبب كتاباته لهذا الكتاب، بقوله: (ما دعاني إلى جمع هذه الشخصيات الفنية المتنوعة التي ساهمت بفاعلية في مجال المالوف وفنون الغناء، هو إيماني الكبير بما قدموه من رسالة آمنوا بها، وأفنوا أعمارهم من أجلهم، لم يرجوا من خلال أدائهم لرسالتهم أي مكاسب من أي نوع، والمكسب الوحيد الذي عملوا من أجله هو حب الناس وإيمانهم برسالتهم)2. كما أوضح الكاتب إن مادة هذا الكتاب نشرت خلال عامي 2008 و2009، بصحيفة (أويا)، بصفحة (المشهد الفني).
في المقدمة يذكر الكاتب جهود من سبقوه في التعريف ببعض هذه الشخصيات، وكيف استفاد من هذه الجهود في تعزيز مادة الكتاب.
الكتاب يتضمن تصدير للدكتور عبدالله مختار السباعي، الغني عن التعريف في مجال الموسيقى بما قدم من إسهامات في هذا المجال، من ألحان ودراسات وكتب في علوم الموسيقى الليبية والعربية.
في تصديره، تناول الدكتور السباعي نظرة المجتمع لأهل الفن والطرب، مشيراً إلى ازدواج معايير المجتمع الذي بالرغم من نظرته الدونية لهم، فإنه يحتاجهم لإحياء الحفلات والمناسبات الاجتماعية. وفي ذات السياق أشار الدكتور عبدالله إلى مسألة مهمة، أن ممارسة هؤلاء الأعلام للفن المالوف والغناء هو من باب الهواية، إذ هم (مواطنون عاديون، يمتهنون مختلف المهن اليدوية البسيطة، ويعيشون حياتهم العادية في أسرهم وبيوتهم، ولكنهم ممارسون لهذه الفنون في أوقات فراغهم)3، ويضيف (إشباعاً لرغباتهم وأهوائهم، وتحقيقاً لذواتهم ومواهبهم)4.
3
ندخل الآن إلى مادة الكتاب، والتي جمع فيها الكاتب بشير الغريب، سير 17 علماً من أعلام المالوف والغناء بمدينة طرابلس، والملاحظ إن الكاتب اعتمد الترتيب الأبجدي لأسماء الأعلام في تسلسل ذكرهم، وفي ظني لو اعتمد الكاتب تواريخ ميلاد الأعلام في تسلسل ذكرهم، لكان أفضل للتعرف على الخط الزمني لإسهام كل منهم، وتطور هذه الفنون، وما يتصل بها مجتمعياً. خاصة وإن هذه الخط الزمني يبدأ في العام 1885م، بميلاد الشيخ مختار خليل داقره، وينتهي في عام 1956م، بميلاد الشيخ عبدالغني دعوب، أي حوالي 71 عاماً.
تباينت سير الأعلام في التعريف بها في الكتاب، ونظرا لقلة المعلومات التي تغطي الكثير من جوانب حياة كل منهم، كان من الصعب على الكاتب أن يعمل على نموذج موحد أو نمط للتعريف بها، وبالرغم من هذا يمكننا الوقوف على الكثير من النقاط:
– غنى هذه التجارب الفنية، لهؤلاء الأعلام.
– إيمانهم وحبهم للفنون هو الدافع الأساسي والمحرك لهم، لممارسة هذا الفن، سواء الغناء والمالوف.
– المكان الواحد الذي كان يجمع بين الفنان والمتلقي، حيث تكاد تنعدم المسافة بينهما، بل وتتلاشى في السهرات والمناسبات الاجتماعية الخاصة.
– الاجتهاد والتجويد، والمواضبة.
– انفتاحهم على الموسيقى العربية والنهل منها.
– الأعراف والتقاليد التي كانت تحكم هذه الصنعة الفنية، والتي اوجدت تراتبية جميلة نلمسها في العلاقة بين شيوخ الفن وتلاميذهم أو مجايليهم من الفنانين.
– النفس الأدبي الجميل الذي صاغ به الكاتب هذه السير وأعاد كتابتها.
4
هذا الكتاب إضافة للمكتبة الفنية في ليبيا، وخاصة ما يتصل بأعلام الفن في ليبيا، وآثارهم وما قدموه للفن الليبي، في المالوف والغناء بمدينة طرابلس، نتمنى أن نرى يتوسع هذا الاهتمام ليتناول أعلام الفن بالمدن الليبية.
________________________
- بشير عبدالعزيز الغريب (من أعلام المالوف ورواد فنون الغناء في مدينة طرابلس)، مكتبة الكون، طرابلس – القاهرة، 2021م.
- المصدر السابق، ص: 5.
- المصدر السابق، ص: 12.
- المصدر السابق، ص: 13,