نص قديم
“البنت محجوزة لولد عمها” هذا ما تقوله جدتي أثناء حديثها عني أمام جارتنا كلما أخذهن الحديث باستمرار كعادتهن في جلسة العصر تحت دالية العنب، أكون أن اما أنظف ساحة المنزل أو أجلس أتابع الفيس ليس بالبعيد عن جلستهن، أعلم نظرات الجارة المتفحصة لي كلما سلمتُ عليها وأشعر بضغط أصابعها الغليظة على راحتي وأتحاشى دائما الاقتراب منها فأكتفي بانحناءة بعيدة من رأسي، تعاتبني جدتي دائما، أجيبها بأن رفيقتها تصاحبها كل مساء فلا داعي لأن آخذها بالأحضان كلما التقيتها، تهز جدتي رأسها في غير رضا وتتركني.
مساء اليوم عندما التقيتها أمام مدخل بيتنا حاصرتني في الزاوية أحسستُ أن اقترابها بهذا الشكل سيحرقني، أخبرتها بأن جدتي ستلتقيها بعد أن تكمل بعض شؤونها، ابتسمت وظهر سنها الذهبي الذي يخيفني كلما رأيته يلمع تحت أشعة الشمس، أحسست بأنها تريد لف أصابعها القاسية على ذراعي وهي تقول لي بأني يجب أن أقبل بالزواج من ابنها و أن أقنع الجدة بذلك، قالت بأني تجاوزت الثلاثين ولم أتزوج بعد و أن هذه هي فرصتي الأخيرة، أردتُ أن أدفع جسمها بعيداً عني لكني لم أستطع و لم تبتعد حتى سمعت صوت جدتي يدعوها للدخول، بمجرد ابتعادها شعرت بلفحة أكسجين تغمرني أكثر.
في طريقي حاولت، تذكر وجه ابنها رأيته ذات يوم برفقتها في المشفى وهو يطالب الممرضات بقياس السكر والضغط ودرجة الحرارة كذلك لأمه، تذكرت بأنه يملك دكاناً في نهاية الشارع ومتزوج لامرأتين وأطفاله يعبثون طوال النهار في الطريق، أبعدتُ التفكير في القصة بأن عرجتُ على صديقتي ليلى لأقضي معها بعض الوقت في صيدليتها.
لا تعلم جدتي بقصة رفيقتها حتى الآن ولن أفتح الموضوع معها بالتأكيد ولن أخبرها بأن ابن عمي المنتظر متزوج في تركيا وأنه يقوم بنشر صوره على الانستقرام، لن أخبرها بأني لا أنتظر أحداً ليأتيني على جواده ويختطفني وأكون مع الوقت إحدى مدخراته، خضتُ تجارب علمتني أن ما يأتي بسهولة نتخلى عنه بإرادتنا بسهولة أكبر.
مساء اليوم عندما نكون لوحدنا في غرفتها سأقول لها بأني أحبها، تستغرب الجملة وتسألني ما مناسبة هذا الاعتراف، سأعانقها كما أفعل دائماً وأقول لها بأني لن أتركها، تشد على ذراعي وتهمس بهدوء سنفترق ذات يوم. تطفئ نور الغرفة وأضع رأسي على ركبتها وتبدأ في سرد قصة الأميرة التي وعدها الفارس وظلت تنتظره حتى ذاب عمرها.