قصة

جنية دزيرة الملوك

من أعمال المصور أسامة محمد
من أعمال المصور أسامة محمد

اختارعزلته هذه المرة بجانب البحر، وفيما هو يقترب من الشاطئ رأها جالسة فوق صخرة ترتدي فستاناً خفيفاً متعدد الألوان كأجنحة الفراش البري، انهمك في النظر اليها مندهشاً، تقدم بضع خطوات حتى تراه، اِقترب أكثر، لم تنتبه له، اصوات الموج تصل مسمعها ، تُحدق في موج البحر مغتبطة، يتهادى الموج مرتطماً باكعاب الصخور يهمهم بنظرة قُربٍ، حيّاها فلم تنتبه، نسائم الأهواء عمت، تأمل ليل شعرها يهرهر على كتفيها شلالٌ من الدجى، اقترب أكثر، إنتبهت له، نظرت إليه، ابتسمت، اِبتسم، حدّق فيها، تأملها بنهمٍ، حُسنها يستحي الياسمين منه خجلاً، بريق جمال عينيها السودواين فتاك، أشارت بيدها إلى البحر، نظر إلى حيث أشارت، أشار معها حيث أشارت، يعرف مرمى الإشارة ‘ إنها ” الدّزيرة” قال نعم : الدزيرة، سحائب كثيفة تدنو من الدزيرة الصخرية، أرسلت نظرة أبعد إلى الدزيرة، أطل السماء ، طائر السنونو يحلق عالياً ثمّ يهبط ليلامس الماء، بينما الغمائم تتجمع بسخاء والماء الأزرق يسبح في ثوب أخضر غامقٍ سألته : أتعرف العوم ؟ أجاب في استحياء: لا . قالت رائع .. وقفت في خفة ورشاقة، قدّها غصن بانٍ، مشت في الماء فوق صخوره، صعدت فوق “صالتو الجمل”، نزعت فستانها، قفزت في البحر، فرح الموج، سبحت حتى الدزيرة، ارسلت له تحية من الدزيرة، أشارت إلى دزيرة أكبر يغطيها الماء، علا صوتها ” دزيرة الملوك “، لم يصله صوتها، وقف يراها تسبح نحو الدزيرة الكبرى، دزيرة الملوك، تركت الجزيرة، الشمس تتسلل نحو الأفق تجرجر خلفها ثوبَ برتقالٍ، هدير الموج يزمجر صاخباً، يتلاطم بين الصخور، زبدٌ كثيف يعلو الماء طفحاً، ارتفع الموج بدأ يرتطم بقدميه، خيّم المساء، لم يغادر الشاطئ حتى اِختفت عن الأنظار. أمضى الليل.. ظلّ عند البحر حتى الصباح، همّ عائدا لبيته، توقّف مدهوشاً ليرى حروفاً تطرز فوق جبين الرمل: “من علّم العين أنّ القلب يهواك؟”.


ملحوظة: في احدى شواطئ مدينة درنة هناك صخرة كبيرة يمكن العوم اليها بيسر وسهولة يسميها الناس “الدزيرة”، بينما هناك هضبة أبعد يغطيها الماء وينكسر الموج فوقها يسميها الناس “دزيرة الملوك” لأنّه لا يصلها إلا من كان حريف سباحة على شرط أن يعوم اليها سباحة دون توقف حتى يصلها حتى وهو مستمر في الجدف بذراعيه وقدميه دون تقطع، ومن أشهر من كان يفعل ذلك من الشباب سالم اسماعيل الحصادي وعبد المجيد السيد بن علي.

مقالات ذات علاقة

بوابة جُحا المعرفية

محمد دربي

النصيب

حسن أبوقباعة المجبري

رزق الأسود تلتهمه الكلاب

موسى محمد الفاخري

اترك تعليق