تسرد رواية “سيدات القمر” للكاتبة العربية من دولة سلطنة عمان جوخة الحارثي حكاية ثلاثة أجيال لعائلتين تعيشان في قرية العوافى” بسلطنة عمان وتروى الكاتبة تفاصيل مجتمع نساء سلطنة عمان المغيبة عن المعرفة عبر حبكة روائية بارعة دخلت فيها إلى دهاليز عالم الرقيق وتاريخ عالم الرق وحكايته عبر حكاية ظريفة وامها عنكبوته.
ومن خلال أحداث الرواية يظهر تأثر الراوي الرئيسي للرواية “عبد الله” بتربية وحنان مربيته ظريفة، ابنة احد الرقيق، الذين جلبهم تجار الرقيق من افريقيا الى سلطنة عمان إبان الاحتلال البريطاني للسلطنة، ولكن حكاية ظريفة وتفاصيل تاريخ تجارة الرقيق ليست هي التيمة الوحيدة المسيطرة على الرواية ،وانما هي جزء من ملحمة الرواية التي تسرد تاريخ ثلاثة أجيال من عائلات الشيخ سليمان والشيخ عزان ، مع تركيز على شخصيات “عبدالله وميا” بطلى الرواية الرئيسيان اللذان يرويان تاريخ عائلة كل منهما مع تداخل أصوات شخصيات الرواية ،المتعددين من جيل الجد حتى جيل الاحفاد فالرواية تتوزع عميقا في تفاصيلها ،بين جيل الأجداد والآباء والأمهات ثم جيل الأولاد والبنات والرابط بينهم هو صوت الراوي، عبد الله المتحدث بصيغة المتكلم أحيانا وصيغة الغائب أحيانا خرى، وتنتقل الكاتبة الروائية ببراعة في سرد تفاصيل حياة الأجيال المتعاقبة بتقنية الفلاش باك، وبتعدد أصوات شخصيات الرواية التي تطل في كل فصل لرواية حياتها وافكارها بكثير من الزخم الثقافي المعرفي، للأجيال الحديثة في الرواية التي تشكلت من شخصيات مختلفة متعددة الأبعاد فمنها شخصية الرسام والمهندسة والدكتورة والشاعر، الذين خلعوا أرث الماضي المثقل بكثير من ترسباته التقليدية الضيقة ،مثل أسماء وخولة اخوات ميا من الجيل الثاني للعائلة ،ثم لندن ابنة ميا حيث تبدو شخصيات الجيل الثاني ، والثالث من النساء أكثر وعى وإحساس بكينونتهن ورفض لعلاقة الزواج الفصامية التي حاولت تكبيلهن وهدر كرامتهن للحصول على الرضا الزوجي والمجتمعي.
وتروى الكاتبة في الرواية بعض من سيرة، المقاومة الشعبية لجيل الأجداد للاحتلال الإنجليزي في قرية “العوافى” الصغيرة، التي التحق بعض رجالها بثورة “الأمام غالب الهنائي” الذي قاد مقاومة مسلحة ضد الاحتلال الإنجليزي، في منطقة الجبل الأخضر بسلطنة عمان
ويعجب الشاب خالد الرسام ابن عيسى، ابن الشيخ بأسماء ابنة عزان وخالد هو ابن أحد المرافقين للثائر ” الأمام غالب الهنائي”، الذي قاد مقاومة مسلحة ضد الاحتلال الإنجليزي، ويتزوج الفنان التشكيلي خالد، بأسماء أبنة عزان بعد عودته مع أسرته من مصر التي هاجرت العائلة إليها بعد توقيع معاهدة الصلح “السيب” بين الأمام غالب والقبائل المتحالفة معه من جهة والإنجليز والسلطان من جهة، ولكن زواج أسماء بخالد الرسام يتحطم رغم إنجاب الأطفال وسنوات الزواج الطويلة.
ويفشل زواج خولة مع زوجها ناصر، بعد عشرين عام من الزواج لعدم قدرتها على غفران سفره وتركه لبيت الزوجية، في مسقط وبقاؤه في لندن مع زوجته الكندية وزيارتها من حين لأخر لرؤية أبناؤها، ثم عودته لها بعد هجران الفتاة الكندية له وبلغة سردية شعرية جميلة تتحدث خولة، عن احساسها ومشاعرها عن سنوات زواجها بناصر الذي احبته فخذلها بطعنه لأنوثتها عبر علاقته بحيبته الأوروبية فتقول:
“كل يوم ترى السنوات التي مرت وفراشها، بارد وجمالها مهجور والجيران يوصلون أولادها ان مرضو، وأخواتها يقرضنها إن احتاجت والناس ينظرون إليها بعين الشفقة يأتي الماضي كل يوم بحرابه يغرسها في روحها”
وكذلك ينهار عقد قران الحفيدة الدكتورة” لندن”، من الشاعر احمد الذي أحبته ولكنها تكتشف وجهه فوق جدار الحقيقة، وعرائها حين يخبرها بأنه كطائر النورس لا يحب القيود ويريدها أن تتقبل علاقاته، مع الاخريات بأفق حر دون ان يبالي بما يحدثه كلامه من امتهان لأنوثتها كامرأة وتحطيمه للحب، الذي زرعَ كشجرة في قلبها، وتنهار علاقة الحب بعد اكتشافها لوجهه القاسي الحقيقي، الغير مبالي بمشاعرها والمختفي خلف صورته كشاعر محب يكتب قصائد الشعر الغزلية لمن تعجبه من النساء فتخلع نفسها منه وتسترد حريتها بعد عناء طويل.
سيدات القمر في الرواية هن نساء رفضن الواقع الذكوري الذي جلد سياطه على قلوبهن فاخترن، بعد مكابدات نفسية صعبة التخلص من حياتهن مع أزواج أهانوا أنوثتهن عبر شخصيات أسماء وخولة من الجيل الثاني من عائلة الشيخ عزان وشخصية لندن الحفيدة
نساء القمر نزعن سواد لون القمر، الذي يضئ من انعكاس الكواكب الأخرى عليه وفتحن أبواب الحرية لعقولهن وأرواحهن، بعيدا عن قيود التسلط الذكوري الذي رسم أوجاعه وأحزانه فوق أرواحهن
رواية سيدات القمر هي رواية الصراع النسائي بين قوة الموروث الضيق الذى يرى المرأة كمتاع ، دون احترام لروحها وعقلها وبين رغبة بطلات الرواية بأن يكن سيدات أقمار الحب فيتخلصن من علاقات زوجية مهينة لكرامتهن كنساء، وينطلقن متحررات من ثقل الماضي وموروثه الصعب، في مجتمعات خليجية ذات صبغة قاسية في تقاليدها تحتم على النساء ،اللواتي يتعرضن للمهانة للصبر وعدم التفكير في الطلاق باعتباره يحمل وصمة عار، لمن تحمل صفة المطلقة ولكن بطلات رواية سيدات القمر لا يأبهن برأي المجتمع وتختار الشخصيات الثلاث في الرواية التخلص من الموروث الذى يكبلنهن ومن علاقات زوجية خائبة ارهقت أرواحهن في أتون الإهانة والضرب والطعن في أنوثتهن ،وبذلك تعتبر الرواية سفر روائي معبر عن صراع النساء ضد ذهنية موروث خليجي قاسي في مجتمع سلطنة عمان يقاوم روح التغيير لنساء الوعى والعلم التي تفتحت أذهانهن وأزداد وعيهن بحقوقهن، و إيمانهن بحقهن باحترام كينونتهن كنساء دون إهانة أنوثتهن تحت مبررات ذكورية مجتمعية صعبة وقاسية .
العدد الخامس من مجلة ” الليبية”.