المقالة

صوت رجل شجاع …!!!

يعقوب موشيه شاريت (الصورة من اختيار الكاتب عطية صالح الأوجلي)
يعقوب موشيه شاريت (الصورة من اختيار الكاتب عطية صالح الأوجلي)

قيام عدد من ابناء مؤسسي دولة اسرائيل بالخروج العلني ضد سياسات اسرائيل هي ظاهرة لا زالت محدودة ولكنها تنمو مع الوقت وتعبر عن تحول هام في وعي وأدراك مجموعة من ابناء النخبة الذين يرون في سياسات القمع والارهاب والتطرف بشاعات لا يمكن السكوت عليها ويرونها تحولا خطيرا يهدد مستقبل اسرائيل … من أبرز هؤلاء المسؤول السابق والكاتب يعقوب موشيه شاريت ابن رئيس وزراء سابق لإسرائيل الذي كتب العديد من المقالات وألف كتابين يحذر من تبعات السياسة التي تنتهجها اسرائيل ويرى انها ستقود الى كارثة.

كان جده يعقوب قد وصل إلى فلسطين عام 1882 هربا من المذابح في روسيا والتي اشتهرت باسم “عواصف في الجنوب”، ثم عاد الى روسيا بعد سنوات قليلة ليعود الى فلسطين مرة اخرى عام 1906 هربا من المزيد من المذابح التي عانى منها اليهود آنذاك.

نشأ والده موشيه شاريت بفلسطين واتقن اللغة العربية كأحد ابنائها  وبعد تخرج الأب من الثانوية ذهب صحبة ديفيد بن جوريون الى اسطنبول لدراسة القانون … وكانا في ذلك الوقت من انصار التتريك … أي البقاء داخل الدولة العثمانية كأفضل خيار لليهود هربا من الاضطهاد والمذابح بأوروبا …لكن  الحرب العالمية الأولى التي اندلعت عام 1914 ادت الى تغيير هائل في الجغرافيا السياسية بالمنطقة والى وقوع اجزاء من المنطقة تحت الاحتلال البريطاني الفرنسي والى صدور وعد بلفور عام 1917 وقيام تحالف مقدس بين الحركة الصهيونية والقوى الاستعمارية الأوروبية  وما تلى ذلك من اعادة رسم خرائط المنطقة وقيام كيانات سياسية جديدة تعبر عن ميزان القوة الذي كان يميل وبإفراط لصالح المشروع الاستعماري الاستيطاني.

عاد الاب موشيه الى فلسطين ليلتحق بالمشروع الصهيوني وليتدرج فيه … فعمل كرئيس للدائرة الدبلوماسية في الوكالة اليهودية.…  وكان من المخططين لعدد من المشاريع الاستراتيجية كتأسيس الشرطة اليهودية والمساهمة في بناء الفيلق اليهودي الذي شارك مع الحلفاء في الحرب العالمية الثانية…وعندما قيام دولة اسرائيل عين وزيرا للخارجية وأصبح فيما بعد رئيسا للوزراء لها.

سرد هذه الخلفية التاريخية هو امر هام لأنه يسلط الضوء على اهمية موقف وتصريحات الحفيد يعقوب موشيه شاريت الذي في لقاء مع صحيفة هارتس الاسرائيلية بتاريخ 19/9/2021 قال الآتي:

*  أصف نفسي بأنني متعاون رغماً عني.  أنا متعاون قسري مع دولة إجرامية.  أنا هنا، ليس لدي مكان أذهب إليه.  بسبب عمري لا أستطيع الذهاب إلى أي مكان وهذا يزعجني.  وهذا الاعتراف يرافقني كل يوم ولن يتركني.  الاعتراف بأن إسرائيل في النهاية دولة تحتل وتسيء إلى شعب آخر “.

* إن حياة الشعب اليهودي مأساة.  أثبت شعبنا، في مرحلة مبكرة جدًا، أنه ليس مخلصا ولا يعرف كيف يحافظ على الدولة.  لذلك، لم يكن له وجود قومي في معظم الأوقات، بل وجود كأقلية مضطهدة ومكروهة تعيش بدون منظمة مشرفة وبدون حكومة خاصة به. ربما كان يدفع الثمن، لكنه صمد أمام ذلك.” أحد الجينات في حمضنا النووي القومي هو جين” أخرجك من بلدك “ (Lekh Lekha)، الذي بدأ في أيام أبينا إبراهيم. منذ أيام الهيكل الثاني، معظم اليهود لم يعيشوا في إسرائيل. أسسوا مجتمعًا رائعًا على نهر دجلة، وبعد ذلك انتقلوا إلى إسبانيا، حيث أنشأوا ثقافة رائعة لألف عام، ومن هناك تفرقوا في كل مكان … “

* في اللحظة التي دعت فيها الصهيونية اليهود للهجرة إلى إسرائيل من أجل إقامة وطن واحد للشعب اليهودي، ستكون دولة ذات سيادة، نشأ الصراع.  كانت الفكرة الصهيونية أن تأتي إلى مكان يوجد فيه أناس، أفراد من شعب آخر، أعضاء في دين آخر، مختلفون تمامًا. هل رأيت في أي مكان في العالم توافق فيها الأغلبية على الاستسلام لغزو أجنبي.

* لفترة معينة، كان هناك أمل كبير في أن شيئًا جديدًا قد تم إنشاؤه هنا.  وكنت جزءا من ذلك.  لكن الآن، اختفت الصهيونية من وجهة نظري.  اختفت كل الوعود التي قطعناها على أنفسنا.  أنا لست مرتاحًا لهذا.  أجندتنا الوطنية هي الدم والموت والعنف.  هذا العلم الذي يرفرف حتى اليوم في بلدنا بمثابة حلم.  إسرائيل تعيش على حد السيف وتشحذه.  أنا بعيد تمامًا عن هذا “.

* أنا أتحدث بصراحة لأنه ليس لدي ما أخفيه.  عمري 94 سنة … كلما كان المجتمع أكثر تجانسًا، كان أكثر صحة.  أقل من ذلك، هناك مشاكل.  أشعر بخيبة أمل من مصير الشعب اليهودي الذي قسمنا إلى قبائل.  كما أنني أشعر بخيبة أمل من طبيعة الدولة.  عندما أرى رئيس الوزراء وكيباه على رأسه، لا أشعر أنني بحالة جيدة.  هذه ليست إسرائيل التي أريد أن أراها.  كيف حدث أن هذا المكان الجديد، الذي كان من المقرر أن يجلب الابتكارات، أصبح المكان الأكثر سوادًا، الذي يسيطر عليه القوميون الأرثوذكس المتطرفون؟  كيف يكون هذا هنا من بين جميع الأماكن، هناك رجعية وتعصب، مسيانية، رغبة في التوسع والسيطرة على شعب آخر؟ “

ان يقوم السيد يعقوب موشيه شاريت باتخاذ هكذا موقف هو ليس بالحدث العادي ولا الأمر الهين … ان يقف المرء ضد سياسات بلده وتوجهات قومه بناء على صحوة ضمير فهو امر يستحق الاشادة به خصوصا انه يأتي في وقت يقوم فيه عدد متزايد من مثقفي الدول العربية بإيجاد المبررات لسياسات اسرائيل …بل البعض منهم لم يعد يخجل من ان يرى الحكمة فيها …!!!

مقالات ذات علاقة

لا يوجد صراع بين الدين والعلم

علي بوخريص

اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية

مهند سليمان

الطريق إلى كابل

حمد المسماري

اترك تعليق