قصة

دقيقة ونصف في بنغازي

أنيس البرعصي

من أعمال التشكيلي محمد العارف عبيه
من أعمال التشكيلي محمد العارف عبيه

يخرج السيد عاشور من منزله في نزهة حول المدينة التي تقول منشورات الصفحات الناعمة بأنها تشهد أجواء رمضانية جميلة…

تمر من أمامه سيارة تكاد تدهسه لأن سائقها البدين يمسك بالمقود بيد، فيما يده الأخرى مشغولة في اعطاء أطفاله بالمقعد الخلفي دروس في الملاكمة، مع تأثيرات بصرية مرعبة يقدمها وجهه “الأفطح” كقفاز بيسبول.. وجهه الملئ بالعرق والحنق وفمه المحاط بالرغوة الذي يصدر موجات صوتيه قادرة على اختراق الدروع الصاروخية لكنه عاجز على افهام أطفاله المستفزين.

يستمر في المشي.. تمر سيارة أخرى.. من الطريق العكسي.. سيارة دفع رباعي يقودها صرصار بشري لا وزن له ولا ظل لكنه يضغط بكل قوته على دواسة الوقود فيملأ كلا المحرك والإطارات الشارع بغبار خانق وصوت لعين مستفز يجعلانك تتمنى له حادث سير سعيد.. خلف ذلك الضباب ثمة رجلان يتبادلان اللكمات والعض والشتائم.. دعاة الخير “الحزازة” يتشابكون أيضا ولا أحد يعلم السبب.. ربما حادث سير.. أو أحدهم سطى على دور الآخر في محطة البنزين.. على بعد 300م.. عجوز تقفز عاليا مع أكياسها البلاستيكية المليئة بالطماطم والسلك وأقراص الأدوية بسبب فرقعة ألعاب نارية أسفل قدميها.

يعبر السيد عاشور تلك المشاهد كما يعبر منجل في حقل قمح دون أن يحرك ساكنا أو يتدخل بحرف حتى يصل إلى ناصية الشارع، حيث يلتقي بصديقه الجندي.. لكنه على غير العادة لم يشتم الدبيبة ولم يشكو من تأخر المرتبات التي قام بتعطيلها ولم يخض في تفاصيل معاناة رمضان والفقر المدقع والثلاجة الفارغة.. فقط يخبره بضحكة يائسة نكتة سوداء تحمل في طياتها البؤس وشيء التبلد “قالوا أي حد عنده رقم عسكري يفطر عادي” ثم ينفجر ضاحكا.. ضحكة شخص تجزم أن زوجته ستفطر في منزل أهلها وتحمد الله أنك لست في مكانه لتعاني الأمرين.. عاشور لا يرد.. يستمر في هز رأسه.. وابتلاع شتائمه ودموعه.. لأنه يعلم بأن شيئا لن يتغير.. يضع يده في جيبه.. يتحسس ولاعته.. يتذكر إنه صائم.. يفكر بإشعال شيء آخر بدلا من السيجارة أو يفتح حسابه على الفيسبوك ليسأل ابناء الطاهرات عن الطريق المؤدي إلى المدينة التي تحتفي بها صفحاتهم؟

مقالات ذات علاقة

حين غابت الغولة عن حكايات جدتي!!

زكريا العنقودي

حلم

رشاد علوه

ولا تسأل عليّا

المشرف العام

اترك تعليق