سرد

رواية: اليوم العالمي للكباب – 7

رواية في الأدب الليبي الساخر

من أعمال التشكيلية مروة التومي

-7-

… الكل يجري مع الكل في نفس الاتجاه، وأحيانا بعكس الاتجاهات، كانت هرولتهم تكشف عن ارتباكا واضحا وفوضوية العمل بالمؤسسة الثقافية الكبري بمدينة طرابلس!

 كان الكل يجري في اتجاه يختلف عن اتجاه الاخر، عم الصخب في الممرات وبين أروقة ومكاتب جناح السيد الرئيس المكلف!

كان مشهدا هزليا يتشكل ك كاريكاتور  ساخر تجسد  من خلال تأملات الزائر (مصباح)، فهناك من أحكم الامساك بين أسنانه بأسفل قميصه وفرملته (1) فيما يعرف بالبدلة العربية وهي من اللباس الليبي الشعبي الموروث  المتعارف عليه، فأتقن الهرولة، وهناك من تعثر في قميصه الطويل وهو نوع من القمصان الغليظة ذات الطربوش وتسمي بالبرنوص وهي كذلك من اللباس الليبي الموروث، وهناك من يجري فتهتز جيوب البدعية(2)،فيسقط هاتفه الخلوي منه في اكثر من مرة اثناء هرولته ، أما السكرتيرة ( سحر)، فقد حاولت الجري بحذائها ذو الكعب العالي فسقطت أرضا، لتسارع إليها زميلتها بإحضار حذائها الرياضي من حقيبة يدها، الملقاة في أول الممر، لتعيد (سحر) لبس ذاك الحذاء بسرعة مذهلة  وتنطلق مهرولة كالسهم باتجاه مكتب الرئيس المكلف.

فالسيد (علي) قد أعلن حالة الاستنفار بين موظفيه، بعد معرفته بكفاءة الشخصية الثقافية القادمة، حيث باشر بجمع مستشاريه وأخذ يبعد موظفاته وسكرتيراته المفضلات ليخفيهن !!، فيما عدا السكرتيرة (سحر)، فهي الأبرع والأكثر فتنة وجاذبية وحيلة، فهو يثق في أنه قد تمكن منها.

…” كل شيء على ما يرام الان ” هكذا حدث الرئيس المكلف (علي) نفسه، قبل أن يتفطن بأنه قد نسي أطباق الطعام المتنوع بمكتبه تتناثر هنا وهناك، بدء من الحلوى بمختلف مذاقاتها الي صحون الارز بالخلطة (3) وكتل ما يسمي بالعصبان (4) ورقائق المصارين (5)، فأعطي تعليماته سريعا بنقلهن الي سيارته بحرص وعناية على وجه السرعة حتى لا يحرم من هذا النوع من الاكلات الشعبية الشهية.

كان السيد الرئيس المكلف قصير القامة،  ضخم الجثة، عريض المنكبين، كبير البطن، ذو وجه مربع ومستطيل في أن واحد، بشبه قرصانا أعور تاهت به سفينته في أحدي رحلات بحثه عن كنز مفقود ،كان لبقا  طويل اللسان، يحب المال حبا جما، وكان دائم الشعور بالجوع حتي تخاله أنه ينوي أكلك اذا ما نظر اليك في أوقات الغداء أو العشاء، فهو دائم الرغبة في الأكل، وكثيرا ما كان يتسرب منه كلمة (انا شرهان ) فيقحمها في حديثه سواء كان الحديثة يتعلق بالطعام أو في الثقافة، حبه للطعام هذا اثر في سير العمل الثقافي، فأصبح مكتبه أشبه بمطعم شعبي عائلي شهير  يختص فقط بتقديم الوجبات الليبية  الشعبية التقليدية ، وكان يسمح بالسكرتيرات فقط بمشاركته هو وافرادا من اقاربه بالأكل و الذين توظفوا بشكل سريع ، مستغلا سفر رئيس المؤسسة، الي جمهورية تونس، كانوا يلتهموا كل شي ء يقع تحت نظرهم ، كانوا كالجراد يأكلون الاخضر واليابس، ولا يتركون شيء!.

كان يمضي جل وقته على هذا المنوال، كان يتظاهرا أنه يعمل بضمير من أجل تعزيز الدور الثقافي في الوطن.

لكن الحقيقة كانت مخيفة حيث كان يستمتع بالأكل والتفنن في اقفال الحسابات الخاصة بميزانيات المؤسسة الثقافية، كان مستمتعا بهذا العمل ويتمايل مع أنغام فن المرسكاوي (6) والذي كان يتقنه الي حد مقبول، مديرا أخر بالمؤسسة هو (تامر بوزكرة) (7) في الحقيقة كان اسمه الحقيقي ارزوقة بوزكرة لكن الرئيس أطلق عليه اسم (تامر) تيمننا بالفنان المصري الشامل (تامر حسني)، كان (ارزوقة) أو (تامر) يشغل منصب مدير مكتب الترفيه والونس والرقص والسهر الثقافي بمؤسسة (حيه على الثقافة).

يتبع


هامش:

1- فرملته: الفرملة هي جزء علوي من لباس شعبي ليبي موروث يسمي الكاشط. والكاط لباس رسمي فأخر يتكون من ٣ قطع (فرملة مطرزة وسروال مطرز اي بنطلون وجاكيت قصير مطرز يسمي الزبون).

2- بدعية: وهي فرملة بسيطة تلبس كلباس الكاجول.

3-الارز بالخلطة: وهي أكلة شعبية تتكون من الارز مع فتافيت الكبد والكلي المأخوذة من الاغنام الليبية والتي تشتهر بمذاقها المميز والشهي عن سائر مواشي الوطن العربي بل العالم باسره وذلك لوجود مراعي تنمو بها اعشاب وحشائش نادرة بحكم طبيعة المناخ الليبي المتنوع. ويطهي مع الارز وفتافيت الكبد والكلي مكسرات (كاللوز العادي واللوز الخزايني والفستق والزبيب) الممزوج بدهن المحاشي (عصبان ومصارين) في مرحلة طهي الرز.

4- العصبان: هي كتل محشوة بالبقدونس والكسبر والفلفل والطماطم وفتافيت من اللحم والكبد والكلي والبصل الاخضر والارز والبهارات المتنوعة وقليل من الزيت والملح والسمن البلدي بمقادير معينة، وهذه الكميات تجزأ لتستعمل كحشوة توضع في اجزاء من كرش الخروف بعد ذبحه(معدته)، في شكل كرات في حجم نصف اليد وتقفل قبل الطهي بخاريا بالسلك او بعيدان الاسنان ثم بعد استوائها بالبخار توضع في طاجن بالفرن لتحمر.

5- المصارين: هي الامعاء الدقيقة للخرفان وتحشي بنفس حشوة وطريقة تجهيز العصبان بعد تنظيفها بالماء العادي اولا ثم بالماء المغلي فيما يعرف بعملية السمط.

6- المرسكاوي: هو فن ليبي شعبي موروث ينحدر من مدينة مرزق الليبية كما تشير اغلب الابحاث في مجال الموسيقي.

7- بوزكرة: هو لقب عائلة أحد شخصيات الرواية وهذا اللقب جاء من كثرة استعمال عائلته لآلة موسيقية سميت بالزكرة وهي من الآلات الموسيقية الصوتية تصنع من جلد الماعز والجدي ويحتضنها الموسيقار البارع لينفخ بها ما احتوته اشداقه من هواء لينفثه في هذا الجلد الحيواني الاجوف ليمتلئ بالهواء ويتسرب عبر فتحات يتحكم في توزيع اصواتها وتنويعها الموسيقار النافخ ذو الاشداق الكبيرة

مقالات ذات علاقة

الحلاج.. كلمة في الذات

سعد الأريل

رواية: غياهب الحي المقبل – الفصل الثالث

حسن أبوقباعة المجبري

رباية الذايح

حسن أبوقباعة المجبري

اترك تعليق