المقالة

أنا إنسان… أنا إنسان…!!!

(الصورة من اختيار الكاتب عطية الأوجلي)
(الصورة من اختيار الكاتب عطية الأوجلي)

(1)

عندما ذهب سكان نيويورك إلى حديقة حيوانات برونكس يوم السبت 8 سبتمبر 1906، استمتعوا برؤية العديد من الحيوانات والطيور والنباتات … كأي زوار لحدائق الحيوانات … غير أن الحديقة كان بها عرضا اضافيا ذلك اليوم … ففي أحد الاقفاص كان ثمة عرض لمخلوق جديد في بيت القرود… قيل للزوار انه يمثل الحلقة المفقودة بين الانسان والقرود … كان بها كائنا بشريا … اسود اللون …قصير القامة ذو اسنان حادة … كان بها … أوتا بينغا.

(2)

كان أوتا بينغا في عام 1904 يعيش مع زوجته وطفليه في قرية صغيرة محاطة بالغابات الاستوائية على ضفاف نهر كاساي في الكونغو التي كانت مستعمرة بلجيكية في ذلك الوقت. وعلى الرغم من صعوبة حياة الأدغال البدائية، إلا أنه كان شاباً مفعماً بالحيوية والإقبال على الحياة، ممارساً لدوره كزوج وأب…  خرج ذاك الصباح في رحلة صيد بحثا عن لقمة عيشه … ليعود فيكتشف ان قبيلته قد تم مهاجمتها من قبل رجال بيض وان زوجته وطفليه قد قتلا … وانه قد وقع في الاسر ليتم بيعه في سوق العبيد.

(الصورة من اختيار الكاتب عطية الأوجلي)
(الصورة من اختيار الكاتب عطية الأوجلي)

(3)

كان السيد صموئيل فيرنر يحس في ذاك الصباح بتفاؤل شديد وانه سيدخل التاريخ من أوسع ابوابه … فالسيد فيرنر الامريكي الأصل لم يصل الى افريقيا بحثا عن المال او الكنوز أو حتى العبيد بل اتى لتحقيق نصرا علميا واثبات صحة نظرية داروين التي كان مهووسا بها … كان يقول لنفسه ذاك الصباح “لقد اقتربت من اليوم الذي اخرس فيه السنة من يعارضون هذه النظرية … فهنا في هذه الأرض سأمتلك الدليل القاطع “… ولم يكن الدليل سوى ذاك المخلوق التعس الذي اشتراه من سوق الرقيق … لم يكن سوى أوتا بينغا.

(الصورة من اختيار الكاتب عطية الأوجلي)
(الصورة من اختيار الكاتب عطية الأوجلي)

(4)

تم نقل الكشف العلمي المذهل مع غيره من سيئ الحظ والتعساء … عبر رحلة شاقة من العذاب … التهبت فيها جلودهم من لسعات السوط … وتورمت ايديهم وارجلهم من القيود … وخيم عليهم البؤس والشقاء …  بيننا كان السيد صموئيل يكاد ان يطير من الفرح طيلة رحلة العودة الى امريكا … وهو يتطلع فرحا بين الحين والأخر الى … اكتشافه العلمي الذي سيهز الكون. …

تمكن صموئيل من الوصول الى امريكا في الوقت المناسب ليشارك في معرض الانثروبولوجيا العالمي الذي اقيم بمدينة سانت لويس عام 1904… وكان أوتا بينغا من أبرز المعروضات فيه. كما تم عرضه في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي لعدة أيام … غير ان مدير المعرض هيرمون مومبس اتشكى من ان هذا المخلوق قد أصبح عصبيا بشكل لا يطاق واقترح إرساله الى حديقة الحيوانات … وهذا ما تم.

(الصورة من اختيار الكاتب عطية الأوجلي)
(الصورة من اختيار الكاتب عطية الأوجلي)

(5)

غير ان انتشار الخبر …اثار عدد من الجمعيات الحقوقية ورجال الدين السود الذين احتجوا على الحديقة … مما ادى في نهاية المطاف الى اخراجه منها  ووضعه في مركز للأيتام في بروكلين يشرف عليه القس جيمس جوردن الذي اشرف على تعليمه اللغة ثم نقله ليعيش مع اسرة امريكية التي بدورها علمته الكثير من العادات وعلمته الكتابة والقراءة  وبعد فترة ساعدته في الحصول على عمل في مصنع للتبغ … غير ان أوتا كان حزينا ويحلم بالعودة الى بلده وقريته  ويخطط لذلك… لكن اندلاع الحرب العالمية الاولى في عام 1914،  جعلت من عودته امرا مستحيلا … مما زاد في اكتئابه وعزلته .

(6)

وفي 20 من مارس عام 1916 أوقد أوتا ناراً احتفالية، ونزع الغطاء الذي وضع بأسنانه … خلع ملابسه ورماها في النار … وأطلق الرصاص على نفسه بالقلب …. ترك أوتا قصاصة ورق كتب عليها مرتين … جملة … أنا رجل …أنا رجل.

مقالات ذات علاقة

فن الكتابة الملونة

محمد عقيلة العمامي

فماذا تمطر سماء طرابلس؟

قيس خالد

ودعا يا صاحبي، ادريس المسماري

المشرف العام

اترك تعليق