قراءات

تحت مجهر الفنادي

الطيوب

كتاب (تحت المجهر) للكاتب يونس الفنادي
كتاب (تحت المجهر) للكاتب يونس الفنادي

النقد في ليبيا

أظنني كتبت كثيرا في هذه المسألة، وأسهبت في الحديث عن التجربة النقدية في ليبيا، في أكثر من مكان وعلى أكثر من وسيلة نشر، وما زلت أرى إن الجهد النقدي في ليبيا ضعيف، وأنه من الواجب الاحتفاء بما يقدم في هذا الجانب المهم من التجربة الإبداعية في ليبيا، وهنا أسمحوا لي بالتوقف مع أحد هذه الجهود، الممثلة في كتاب الكاتب والإعلامي يونس شعبان الفنادي، المعنون (تحت المجهر – كتابات حول نصوص ليبية شعرية) والصادر عن الهيئة العامة للثقافة العام 2018م.

الكتاب من القطع المتوسط، في 132 صفحة، تضمن 10 قراءات نقدية لمجموع 10 شعراء وشاعرات من ليبيا.

الفنادي والنقد

الكاتب يونس شعبان الفنادي، بدأت علاقته مع الأدب مبكراً، كتب الشعر والمقالة، ومارس العمل الإعلامي، فقدم عبر الراديو والتلفزيون مجموعة من البرامج الأدبية ولثقافية، أما علاقته بالنقد، أو الكتابة النقدية، فهذا أمر يشترك فيه ومجموعة من المبدعين الليبيين الذين مارسوا النقد، أو الكتابة النقدية، تحت مسمى القراءات النقدية أو المقاربات النقدية من أمثال؛ مفتاح العماري، محمد الفقيه صالح، سالم العوكلي، ومن قبلهم خليفة التليسي وبشير الهاشمي، وغيرهم الكثير، ممن ساهموا من خلال ذائقتهم كقراء أولاً، في إثراء الكتابات النقدية في ليبيا من خلال الصحف والمجلات، ومن بعد الكتب.

لذا فإننا في تجربتنا الإبداعية للليبية، نجد المبدع هو من يجترح الأسئلة النقدية، لا الناقد، وهو من يوثق للحظات المهمة والمفصلية في العملية الإبداعية، بل ويعمد إلى التنظير.

يمكن تصنيف قراءات الفنادي النقدية، تحت النقد الانطباعي، وهو أحد مناهج النقد، والأساس الذي يعتمده كل ناقد متخصص، فالقراءة النقدية الانطباعية هي مفتاح النص، وبوابة الدخول إلى عوالمه، وبقدر ما تكون ذائقة المبدع متمكنة من أدوات القراءة، تكون قدرتها على استكشاف بواطن النص، ومفاصله.

ومن هنا نجد إن الفنادي في كتاباته النقدية، يتناول التجربة من أحد جانبها، للاشتغال عليها، وقراءتها، أو أن يلتقط سمة أو ثيمة تكررت في تجربة المبدع، أو موضوعاً حركه -المبدع- في أكثر من نص.

وهنا سنجد إن الاشتغال النقدي للفنادي، لا يتخذ شكلاً موحداً فيما يقدمه من قراءات نقدية، إنما كتابات مخصصة للتجربة التي يتناولها، فتكون كل قطعة فريدة في ذاتها وفي شكلها. وهذا ما يمكنه من العمل بحرية أكثر، ويجعله مرناً أكثر في مقارباته النقدية، التي يطاعنا بها بشكل مستمر.

تحت المجهر

يقدم كتاب (تحت المجهر) قراءات نقدية لعدد 10 شعراء وشاعرات من ليبيا، تنوعت تجاربهم الشعرية؛ زمنياً، وإبداعياً، وجندرياً.

فزمنياً؛ تمتد التجربة الشعرية لمجموع من تم تناولهم في هذا الكتاب، لستينيات القرن المنصرم،  (محمود المنتصر، علي صدقي عبدالقادر، علي الرقيعي، عبدالحميد البكوش، محمد الفقيه صالح، عمر الكدي، محمود البوسيفي، تهاني دربي، حنان محفوظ، فريال الدالي)

وإبداعيا؛ تنوعت التجارب الشعرية، بين النص التقليدي، والتفعيلة، والنثر.

أما جندرياً؛ فهم 7 شعراء، و3 شاعرات، (أو أحصائياً: 70% ذكور – 30% إناث).

ولأني لا أؤمن بالصدفة، فأقول إن هذه المجموعة اختيرت عن قصد، ونية مبيتة، ومع سبق الإصرار والترصد، ليكون هذا الكتاب، الصغير في حجمه، والكبير في محتواه، جولة في التجربة الشعرية الليبية، لرحلة امتدت لأكثر من 6 عقود. ليكون هذه الكتاب ما يشبه البانوراما الشعرية.

ومما يزيد من أهمية الكتاب تنوع قراءات ومداخل الفنادي لهذه التجارب الشعرية، فهو على سبيل المثال يتناول موضوعة الوطن في أشعار عبدالحميد البكوش، ثم يتناوله من خلال اعتراض واستنكار الشاعر عمر الكدي، وكذلك من خلال نصوص الشاعرة فريال الدالي، حيث يمكننا رصد تحول مفهوم الوطن، وتشكل معنى الهوية. وفي ذات الموضوع يتناول بالقراءة فرحة الجلاء كما تمثلها الشاعر علي صدقي عبد القادر.

من ناحية أخرى، نراه يتناول الجوانب الفنية، صورة وتخييلاً، في نص الشاعر محمد الفقيه صالح، وأيضا من خلال تجربة الشاعرة حنان محفوظ، أو من خلال تجربة الكاتب الصحفي محمود البوسيفي، والاقتراب من أسئلة الشاعرة تهاني دربي.

كما إنه يذهب في بعض التفاصيل التي تحف التجربة الشعرية، فيتناول الإهداءات في نصوص الشاعر علي الرقيعي ومدلولاتها وإحالاتها، أو وهو يعرف بتجربة الشاعر محمود المنتصر.

ختامًا…

اختار يونس الفنادي لكتابه عنواناً فرعياً هو (كتابات حول نصوص شعرية ليبية)، وفي ظني إن اختياره لمفردة (كتابات) محاولة للهروب من خانة الممارسة النقدية، أو مخافة تقييم مادة الكتاب بما تقتضيه المناهج النقدية، الأكاديمية على وجه الخصوص.

وبالعودة لبداية هذه القراءة، أؤكد على أهمية هذه الممارسات النقدية، وإسهامها الكبير والمؤثر في التجربة الإبداعية الليبية، وسواء سميت؛ كتابات، مقاربات، قراءات، انطباعات، إلى آخر هذه القائمة من المسميات، فإن هذا لا يفقدها قوتها وقدرتها على إثبات حضورها، في ظل غياب النقد المنهجي، أو الأكاديمي على وجه الخصوص.

ملاحظة أخيرة، كنت أتمنى لو قدم الكاتب يونس الفنادي، لمجموعة الكتابات هذه بمقدمة، تكون توطئة لموضوعات الكتاب، والشعراء والشاعرات الذين تم تناول نصوصهم الشعرية، خاصة وإن الفنادي معروف بكتاباته ذات الطابع الإحصائي، التي تقدم للقارئ من خلال الجداول والأشكال البيانية لمحة مختصرة وعامة على المشهد.

مقالات ذات علاقة

المكان الطرابلسي في قصص عزة كامل المقهور

سالم أبوظهير

شاعر المحكية الليبي يخترق منصة القاهرة الشعرية

يونس شعبان الفنادي

رواية “بوق” لمحمّد الأصفر: التأريخ الممشّح بالمآسي

المشرف العام

اترك تعليق