طيوب عربية

حُمّى… الأدغال…

شميسة غربي (سيدي بلعباس/الجزائر)

احلام ما بعد الحرب 2019 عدنان بشير معيتيق حبر على ورق

تمْتمَ بكلمات خافتاتٍ؛ وهو يضع أمام صاحب المتجر؛ كيسا مليئا بقطع من النقود المعدنية. هزّ صاحب المتجر رأسه، وأشار بحركة خفيفة من يديْه… فهِمَ الشاب أنّهُ سيجدُ مَطلبَه بعد حين….

خرج من المتجر، نظر حواليْه، لوّح نحو جماعة من الصِّبْية السّود… فهِمُوا أنّ عليْهِم الانتظار تحت سُورِ المدينة؛ كما هي العادة…. كان يُبحْلق في أوْجُه المارّة وكأنه يبحث عن صورة متوارية؛ اجتهد الزمن في تفتيتها… تأوّهَ… حكَّ قنّة رأسه، مسح على وجهه بأصابع طويلة؛ يُزَيِّنُ أحدها خاتم نحاسي خشن؛ تسلّل إليْه الصّدأ، فبدا وكأنه تميمة من عصر بعيد؛ ورثها الشّابّ الإفريقي عن السُّلالة….

تقدّم بضع خطوات ثم توقّف…. أخرج من أحد جيوبه هاتفه الذكي؛ قرأ شيئا، قطّب حاجبيْه… أعاد الهاتف إلى مكانه، ثمّ راح يقضم أظافره وهو متجه نحو المتجر. سلّمه صاحب المتجر حزمة من الأوراق المالية. كان المبلغ مُعْتَبرا… لفّه في كيس بلاستيكي مرن، وأخفاه في أحد الجيوب داخل معطفٍ داكن؛ يُذكّرك بمعاطف جنود الحرب العالمية الثانية….

تحت سور المدينة، وقف يتفقّد الصِّبْية، خاطبهم واحِداً واحداً، ثمّ سار بهم إلى الحيّ حيث يقيمون مع عائلاتهم… قدّم لكل عائلة حصّتها ممّا جمعه الأطفال، واحتفظ بحصة مضاعفة؛ تحسُّباً لما سيسمعه في الغد من أخبار….

طواحين الأمس…

استلقى على فراشٍ أكلتْهُ الرّطوبة من كل جانب…وتوسّد وسادة بالية؛ انتقاها من بين عشرات الوسائد المركونة في إحدى زوايا الغرفة بروائحها الزاكمة… ظلّ يُبحلق في فجوات السقف المهترئ ساعات؛ ثم زفر بحُرْقة…. تتالت الزّفرات، رحلتْ به الذاكرة إلى مشاهد الأمس البعيد…. وضع إحدى يديْهِ على عينيْه وكأنّه يهرب من منظر؛ ارتسم في ذهنه… تقلّب في فراشه؛ متجاهلاً مِطرَقة الذاكرة…. إلحاح المشهد على اقتحام ذاكرته؛ يُقضّ مضجعه…. يودّ أن ينام…. يودُّ أن يتخلّص من هذا الصّفير الذي يَثْقُبُ أذنيْه… لكن سعْيه يذهب سُدى…. الألم يحفر أعماقه، الأمس ينتصب أمام عيْنيْه…. التحدّي كبير؛ يخترق لحظته، يغرز مخالبه في وجدانه، الفؤاد  معلول؛ ولا شيء ينقذه من هذه الهجمة اليومية….

كانت ليلة دهماء…استشاط الكون فيها غيظا… تعرّضتْ قبيلته إلى مجزرة؛ اقتحم الموت الأكواخ المتراصّة، لوى بالأعناق، أُنْتُهِكتِ الأعرَاض، غرقت الأغطية في الدماء…. تراقصت الأشباح على نغمة الموت، وغادرَتْ ثمِلة. لِلدّمِ رائحة…. لن تغادر أنفه مهما حاول… تحت حصير من سعف النخيل؛ تناهى إليه صوت ضعيف؛ شعر بالوجل… غالب نفسه؛ رفع الحصير، صُعِق…. لا يعلم كيف سحبها وخبّأها وراء خزان الماء… لا يعلم كيف سابقتْ قدماه الزمن؛ حتى عثرعلى شيخ الروحانيين؛ الذي كان يُعالج بالأعشاب والخلطات الطبيعية كل الأمراض…. لم يفكر في البحث عن طبيب… لم يفكر في المستشفى، وكيف له أن يصل إلى المستشفى البعيد عن المكان بعشرات الكيلومترات… رافقه الشيخ بعد أن حمل جراباً من جلد خشن؛ حاول الشاب أن يحمل الجراب عن الشيخ؛ لكن الشيخ رفض، أمره بالصمت وبالإسراع إلى حيث يريد….

كانت الفتاة قد فقدت وعيها حين وصلا… لا أنين، لا صوت…. فقط؛ حمرة الدماء ورغوةٌ على جانبيْ الشّفتيْن اليابستيْن، ذراعان كأنّهُما تعرّضتا للنَّهْش… كدماتٌ في الوجْه والعنق، وسماء غاضبة، تشهد على شراسة البشر؛ فوق أرضٍ دنَّستْها هواجسُ الهَمَجية الصّارِخة. بذل الشيخ ما استطاع… وهو الذي تعوّد على رؤية مثل هذه الحالات؛ كلما حدثت اشتباكات مسلّحة في البلدة… كان “صَمَدُو” قد نقل الفتاة إلى كوخ صغير سكنتْه العتْمَة؛ عندما غادر الشيخ المكان تاركا بعض العقاقير لاستكمال العلاج…. مضى بعض الوقت، بدأتِ الفتاة تتحسّن… استأنس “صمدُو” بدبيب الحياة من جديد…. خرج بَحْثاً عن فاكهة أوْ أيّ شيء يُؤْكل… سمع وَقْعَ أقدامٍ ورنينَ هاتف، تسمّر في مكانه خلف أكياسٍ من الخردوات؛ كان قد جمعها المهاجمون لغرضٍ ما، ثم عدلوا عن رأيهم وتركوها غير بعيد عن مكان المجزرة… طالت المكالمة بيْن مُسْتعمل الهاتف وبيْن الذي هاتَفَهُ… فهِمَ “صمَدُو” أنّ هؤلاء غير أولئك…! ظلّ في مكانه يترقّب… انتهت المكالمة، وبدأت الأقدام تبْتعِدُ عن المكان…. التفت يميناً وشمالاً؛ ثم راح يبحث عن طعام يُسْعِفُ به الفتاة….

كان قد مشى بضعة مترات؛ عندما تناهى إلى سمعه خليط أصوات…أطفالٌ ونسوةٌ، ضجيجٌ يثقبُ السكون ويُؤثِّثُ لِأرْيحية؛ طالما افتقدها المكان، أو قُلْ افتقدها الأهالي في حُمّى التوحّش الإنساني المتعاقب على هذه الرّبوع. تتبّعَ مصدر الأصوات إلى أن اتّضح له أنها تنْبعِثُ من بيتٍ قصديري؛ وراء أكمةٍ تكدّستْ فوقها ملابس وأغطية بالية؛ لعلّ أصحابها قصدوا تهْوِيتها وتعْريضها لأشعّة الشمس…. تعجّب كيف فلت هؤلاء من المجزرة..! عند سماعه لحكاية عجوز؛ فهِم أنّهُم لم يكونوا هنا… وأنهم نازِحون من جهاتٍ بعيدة، سكنوا تحت الأرض حتى نفدت المؤونة وأشرفوا على الهلاك؛ فلم يجدوا بُدّاً من الخروج إلى السطح؛ وشجّعهم على ذلك؛ صَمْتُ المكان بعد مُغادرة المُسلّحِين للبَلدة. أعطتْه ما تيسّر من فواكهَ جافّة، ووعدتْه بتدبير بعض الطعام له ولِمَريضتِه؛ بعْد وقْتٍ قصير… قفل راجعاً إلى حيث ترك الفتاة…. فوجئ وهو يرى بجانبها غلاماً؛ يسْقيها ماء… تبيّنَ أن الغلام كان ضائعا في الأدغال، وأنه لا يعرف شيئا عن عائلته. سأله “صمدو” من أين أتى بقُلّةِ الماء هذه؛ أخبره بأنه وجدها فوق جثة عسكري فأخذها وأخذ معها كيساً بداخله طعامُ مُعَلّبات… كان الغلام حافياً، ممزّق الثياب، مغبرّ الأطراف… عيْناهُ الحمْرَاوَتان؛ تحْكيان تعَبَه…. وعِظامُه البارِزة تُلخّصُ سوءَ حاله…. اكتفى “صمدو”  بأنْ رَبَت على كتِفيْ الغُلام ودعاهُ إلى البقاء حتى يضْمَنَ حِمايتَه….

عجوز الأدغال تحكي….

عندما أتتْه بالطعام؛ كانت تتطلّع إلى الفتاة المُمَدّدة في إحدى زوايا الكوخ….اقتربتْ منها، مسحتْ على وجهها، فتحتْ منديلها، أخذتْ منه معجون أعشاب على شكل كُرَة؛ قرّبتْها من أنف الفتاة وتركتها تسْتنْشِق الرائحة…. وهي تتأمّلُ وجْه الفتاة؛ غاصت في جحيم ذكريات سنواتٍ خلتْ…. كان المشهد يومها رهيباً… ذبحوا زوْجها، اغتصبوا بِنْتيْها، انهالوا عليها ضرباً ورفساً بالأرْجُل…. أحرقوا بيْتها، ثمّ انصرفوا وَهُمْ يتوعّدون الغائبين عن القبيلة…

كانت القافلة الطبِّيَة تجوب الأدغال؛ بحْثاً عن ضحايا هُجومٍ شرِس؛ شنّتْهُ جماعة مُسلّحة… المهمة الإنسانية تطلّبتْ جهوداً مُضْنية قبل الوصول إلى الضّحايا…. أطبّاء في مقتبل العمر؛ يحملون أدواتهم الطبية على أكتافهم وبأيْدِيهم حقائب مُخْتلفة الأحْجام؛ يستخرجون منها مُسْتلزَمَاتِ الإنقاذ… يبْذلون مَا فِي وُسْعِهم تحت طقسٍ حارّ؛ يُرْبِكُ الأذهان ويحرق الجلود.

عندما شرع أحد الأطباء في فحصها؛ طلبتْ منه أن يتركها ويبدأ بِبِنْتيْها… طمْأنها أنه سيفعل، وأنه لا خوف الآن؛ على الجميع….. أكْمل التضميد، ناولها دواءً؛ تجرّعَتْه بصعوبة، ثم انتقل إلى البِنتيْن….انفطر قلبه وهو يسعفهما واحدة بعد الأخرى…كانت المرأة تتابع حركاته، ولا تكفُّ عن السؤال…. “هلْ هما بخير…؟ ” في خضمّ انشغاله؛ يهزُّ رأسه دون أن يلتفت إليْها…. كان يُحدّثُ نفسه وقد آلمه أنين إحداهما: “يا إلهي، هل مِنْ دواءِ للتّوَحّش؟ بمَ استفاد مَنْ أجْهزَ على الحياة في هذه الأدغال…! هو منطق الفوضى الإنسانية؛ حين يتكلّس العقل ويتبرّأ الوجدان مِنْ آدَمِيَته….. الادْغال تسْتنْشق الموْت… الأدغال تعْصِرُ الحِقد في مُقلِ الأبْرياء…الأدْغال تسْتلُّ الأكباد بِحُقَن الهمَجِية؛ فتنْسلُّ الأرْواحُ هارِبة من بطش الغِلِّ المُلتهب في القلوب العمياء…. الأدغال…. أشجارُها أشباح….هواؤها سموم….مياهُها دماء….أحلامها أضغاث….صفيرُ بَلابِلها نواح…. أدغال الموت؛ الرّضيع فيها شهيد، الشّابّ فيها وعيد، الشيخ فيها فقيد…. ناموس الحياة فيها بغيض….”

صحا الطبيب منْ محادثة نفسه؛ على صوتِ زميله، يستنْجِدُ به؛ لإسْعافِ جرِيحةٍ ، سقط حَمْلهَا قبْل أوَانه…. هرْولَ معه إلى الجهة المُقابِلَة؛ وعيْناه لا تُفارِقان الفتاتيْنِ؛ بعْد أن بذل معهما كلّ ما في وُسْعه لِاسْتِعادةِ الحيَاة…. تلألأ وجه العجوز وهي تحكي عن هذا الطبيب… إنّهُ مِنْ شمال إفريقيا، كانوا يُنادونَه بِاسْمٍ عجيب؛ شدّ انتباهَها، فراحتْ تُكرِّرُه زمناً حتى بعد شفاء ابنتيْها…. كم كانت تدعو له بيْنها وبيْن نفسها… ويوم غادرت القافلة الطبية الأدغال؛ خرجتْ ومَن معها؛ لِتوْديعِهِ وكلها امتنانٌ لِواحِدٍ من أمْهَرِ أطبّاء الشمال الإفريقي…. لوّحتْ إليْه بيدها وهي تُرَدِّد: ” شُكراً دكتور شافي…. شُكراً دكتور شافي…  وكأنّ مَنْ سمّاك بهذا الاسم؛ تكهّنَ بمُسْتقبلك..! ” تطلّع “صمدو” إلى وجه العجوز وهي غارقة في ذكرياتها…. ربت على كتفها، شكرها على الطعام، و…اعْتزمَ أمْراً …

ومِنَ الحَكايا؛ مَا أنارَ الدّرُوب….

تساءل عنْ سببِ بقائه في هذه الأدْغال مع رَائحة الدّماء….! لماذا لا يُهاجِرُ إلى أرْضٍ غيْر أرْضه…؟ أيُّ مُستقبلٍ له؛ وسط بُقعِ اللعنات… ومع صُنّاعِ الموْت…! لم يكنْ يمْلكُ شيئاً سِوَى روحه… اليوم هو مع هذه الرفيقة التي اعتنى بها حتى استعادتْ عافيتها، ومعهُما هذا الطفْل اليَتيم؛ خِرّيجُ مدْرسة القهْرِ والغُبْن…. يشْعُرُ بمسْؤولية ما تُّجاهَهُما… ومنَ المسؤولية ألا يتْرُكُهُمَا لِمُفاجَآتِ الليالي بِكوَابيسِها المُتسلْسِلة….

بعد تفكير طويل؛ ثلاثتُهُمْ يشدّون الرِّحال إلى إحْدى بلدان افريقيا الشمالية…. تحملوا مخاطر الرحيل… قضوْا أياماً ولياليَ بيْضاء، وبلغ بهم التعب أشُدّهُ…. ناموا في العراء… أكلوا ما لا يؤكل… شربوا من المياه ما لا يُشرَب…. وثبتوا أمام قساوة الجوّ وتقلُّباته من بقعة إلى أخرى…. حرٌّ هنا….. زَمْهَرِيرٌ هُناك…. رِمَالٌ مُتطايِرَة هُنا…. عواصف اقتلعت الأشجار هناك…. فُسَيْفِساءُ الطبيعة؛ بِتبايُنِ هوَائِها وتضارِيسِها؛ وتنوُّعِ معالمِها، أعطتْ نكهة خاصة لهذه الرحلة؛ فتقوّى الأمل من أجل الوُصول مهما كان الثمن….

كان يسترجع – دائما – كلام العجوز عن ذلك الطبيب…. ورَغْمَ المستحيل؛ تمنّى في قرارة نفسه؛ لوْ أنّهُ يصادفهُ يوماً؛ خاصّة وأنّه نزَلَ في بلده…. فرْحَة “صمدو” ومُرَافِقيْهِ بالوصول إلى الأرْض الجَديدة؛ تُخفّفُ عنْهُم نصبَ الرّحلة…. سيلتقون بمن سبقهم من اللاجئين الى هذه الربوع…. اللّاجِئون الجُدُد؛ في كفالةِ القُدامى؛ إلى حينِ معْرِفتِهم بالطرقات والشوارع والأسواق والأزقّة وحتى المُسْتشْفيات العامّة والمقاهي والمطاعم بل وحتى المقابر؛ حيث تعوّدوا الذهاب إليها لجمْعِ الصّدقات أيامَ الجُمعة وفي المُناسبَات والأعْياد الدينية…

استقبل “صمدو” الوافدين الجُدُد… دلّهمْ على أماكن إقامتهم؛ بعد أن أعطاهم شيئا من المال والمؤونة، ووعدهم بتفقّدهمْ بعد يوميْن أو ثلاثة. رجُلان وامْرأتان وأربعة أطفال… عاد إلى سور المدينة؛ نُقطة اللقاء بِالصِّبْية؛ الذين يُسَخِّرُهمْ لجمع المال… صحِبَهُم إلى الحيّ بعد أن أفرَغوا ما في جُيُوبهم وأوْعِيتهم البلاسْتيكية التي طمَس العَرَقُ والوَسَخُ ألوَانَها….

عند مدخل الحيّ؛ سمع “صمدو” ضجيجاً غير مُعْتاد…. تقدّمَ بضْع خطوات، وجد بعض النسوة يتشاورْنَ في موضوعٍ ما…. أبلغوه أنّ واحدة منهنّ؛ استعصى عليها أمر الولادة؛ رغم محاولاتهنّ من أجل مساعدتها… هُنّ يمْلكْن تجاربَ كبيرة في هذا المجال؛ إلا أنّ الأمر هذه المرّة؛ لم يستقمْ معهنّ، فبَادَرْنَ – في غياب الرجال – إلى الِاسْتنْجاد بالمَارّة؛ لحمْلِ المرأة إلى المُستشفى العامّ…. ودون أن يسمع بقية القصة؛ أطلق ساقيْه للرّيح…. دخل المستشفى، بحث وسأل… أخبروه أنها في غرفة العمليات لِتَعَسُّرِ الولادة…

وهو يجوب الرّواق؛ خرج ممرض وممرّضة من الباب المقابل؛ وقد بدتْ عليهما علامات الانشراح…. تقدّم “صمدو” وهو الذي أصبح يُتْقِنُ لهجة البلد…. : ” يَا دْرَا…؟” ابتسمت الممرضة وهي تُردّد: “صَبِيَانِ… كلّ وَاحِدٍ مِنْهُما في حَجْم الحمامَة…!” وقبْل أنْ تسْتبدّ به الفرحة بنجاة مواطنته؛ استدارت الممرّضة إلى الجهة الأخرى استجابة لنداء طبيبٍ بالداخل؛ أَمَرَها أنْ تتّصلَ بالجهات المعْنية؛ لإحْضار الوثائق الثبوتية….هزّتْ رأسها ونظرتْ إلى “صمدو” مشيرة بأناملها الرقيقة إلى غرفة تواجد المرأة… اقترب “صمدو” وأطلّ برأسه، رآَهَا….. كان قد وقف عنْد رأسها طبيبٌ يُعْطي تعْليماته لمُمرّضة أخرى؛ حين ارتفع صوت المكبّر الصوتي وهو يستدعي الطبيب لوضعية طارئة؛ بُهِتَ “صمدو” والنّداءُ يتردّد: “دكتور شافي، دكتور شافي، الغرفة 08 من فضلك…” غرق “صمدو” في دهشته؛ وهو يرى الطبيب الذي حكتْ عنه العجوز أيام الأدْغال؛ يغادر غرفة المرأة مسرعاً…! ها هو اليوم؛ أمام عيْنيْه…. يُنْقِذ مُوَاطِنَة أخْرَى ِمنْ مُوَاطِنيه؛ ويَنْجَحُ في توْليدِهَا َبعْدمَا تعَسّرَ أمْرُها…. عاد أدْرَاجَه إلى الحَيّ والبهْجة تسْبِقُه…. تمنّى لو يرى العجوز ولوْ مرّة أخيرة؛ فقط حتى يقول لها: ” كمِ العالَمُ صَغِير…! وكمْ هي الآدَمِيَة جمِيلة؛ في زمَنٍ غيْر زمَن الأدْغال، وبِمَنْطقٍ غيْر منْطِقِ الأدْغال…!  وفي حيّزٍ غير حيِّزِ الأدْغال….

مقالات ذات علاقة

لماذا يصمت اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين عن أعمال السلطة الفلسطينية القمعية؟

فراس حج محمد (فلسطين)

الأنساق الثقافية ومعالم التراث الفكري

إبراهيم أبوعواد (الأردن)

غَــــابَـــاتِــي تَــعـُـجُّ بِــالنّـُــمُــــورِ!

المشرف العام

اترك تعليق