نشوى زكريا الغرياني
“صباح الخير أمي، لا أعلم إذا كان الوقت الآن لديكم صباحا أم لا لكن صباح الخير، أتمنى أن تكوني بخير، أردت أن أقول لكِ أنني أسف إذا أسأت إليكِ يوماََ، أسف لأنني لم أستيقظ في ذلك اليوم لأُحضر خبز الفطور، أسف لأنني لم أُعد لكِ ما تبقى مِن مال عندما أرسلتني لدُكان عمي خالد لأحضر حاجيات الغداء، أسف لأنني رفعتُ صوتي عليكِ عندما تركتِني خارِج المنزل لأنني عُدت بعد منتصف الليل، أسف لأنني لم أُعطيك حُضناَ مناسباَ ولم أقل لكِ أنني أُحبكِ، أرجوكِ سامحيني و أرجوكِ أيضا كوني راضية علي، أخخٍ يا أُماه كم أشتاقُ إليكِ، كم أشتاقُ لصوتكِ و أنتِ توقِظيننِي مِن النوم، كم أشتاقُ لرائحة عِطرِكِ المنتشرة في المنزل، كم أشتاقٌ لطبخِكِ ولطبق “المجدرة “ خاصتك، أشتاق إليك يا أُماه أنتِ و أبي.
أرجوكِ يا أُمي أخبريه أنني أسف، أسف لأنني لم أتخصص في كلية الطب مثلما أراد، لكني كُنت أسعى لتحقيق حلمي أنا أيضا، حلمي ذاك الذي لم يكن مِن المفترض لي أن أحلم به وأنا أعيش في عالم كريه كعالمنا، أرجوك أخبري أبي أنني أسف على كل شيء، أخبريه أنني أشكره لأنه أورثني قوته وصبره فلولاهما لما كنت ما أنا عليه الآن، وأخبريه أيضا أنني أتمنى أن يكون راضيا على وفخورا بي أيضا.
أمي هل يمكنك أيضا أن تُخبري زوجتي أنني أحبها؟ أنني سأضل أحبها إلى ما بعد الحياة، وأنني أيضا أشتاق لها ولمزاحها الغير مضحك، أخبريها أنني أسف لأنني سأتركها الآن، قبل أن تنبت أول خصلات شعرنا البيضاء معا، قبل أن تتساقط أسناننا ونصبح غير قادرين على أكل الخبز، قبل أن تتيبس عظام ظهرنا ونصبح لا نقوى على السير، قبل حتى أن نذهب للحج معا كما وعدتها، وأرجوك أيضا يا أمي لا تقسي عليها، عامليها كما لو أنها ابنتك فهي التي تحمل حفيدتك لكنها للأسف يا أمي يبدو أنها ستكون الحفيدة الأولى والأخيرة.
أيضا عندما تولد أبنتي “لمى” بالسلامة هل يمكنك أن تطلبي من أبي أن يؤذن في أذنها نيابةََ عني؟ وعندما تكبُر قولي لها أني أسف لأنني لم أكن متواجدٌ يوم ولادتها، أنني أسف لأنني لم أستطع أن أؤذن في أذنها، أنني أسف لأنني لم أشاهد أولى خطواتها أو حتى لم أرافقها في يومها الأول في المدرسة أو لأنني لم أحضر لها دمية على شكل فتاة ترتدي فستانا وردي اللون تسميها ساندي، قولي لها أنني أسف لأنها لن تستطيع أن تقول لأحد ”بابا “، أخخٍ كم يتألم صدري يا أماه عندما أفكر أنها لن تقول لي بابا، أنها لن تتشاجر معي أو حتى أن تلعب وتضحك وتبكي معي، أنني لن أحكي لها حكاية ما قبل النوم أو حتى أن أسألها عن يومها الدراسي، أنني لن أراها في يوم مولدها الثامن عشر عندما تصبح راشدة أو حتى أنني لن أراها يوم تخرجها.
أمي هل يمكنك أن تقولي لها أنني فخور بها مهما فعلت؟ قولي لها أن تفتخر بنفسها هي أيضا؛ فهي لمى ابنة احمد المجاهد الفلسطيني، قولي لها أن ترفع راسها عاليا وأن تكون دائما حرة بآرائها وأقوالها وأحلامها أيضا، قولي لها أن تكون قوية ليس كالصخور بل كأمواج البحر التي تحطم الصخور، لكن أيضا قولي لها أنها زهرة لا بل أجمل زهرة فهي زهرتي الصغيرة.
أمي أرجوك ذكريها بي ولا تدعيها تنساني، تذكرينني أنت أيضا، وقولي لأبي وزوجتي أن يتذكرانني هما أيضا، فأنا أخاف أن أكون منسيا يا أماه.
أمي أتتذكرين في ذلك اليوم عندما قلتي لي أنني ذاهب مع الرياح لكني سأعود معها؟
يبدو أن الرياح خائنة يا أمي وأنها ستتركني أموت دون أن تُرجعني، أعلم أن الأعمار بيد الله وحده، لكن يبدو أنه هنا ينتهي عمري، كوني بخير يا أمي وأرجوك لا تبكي علي.
من أبنك المجاهد الفلسطيني“
صوت نواح الأم وهي تبكي بحرقةٍ بعد قراءة رسالة أبنها مرتدية لباساََ أسود معلنةََ به عن وفاته.