في زيارة له.. أخبرني صديقي العائد من الحرب مبتور الذراعين والروح، بعد أن طلب إليّ مساعدته في إشعال سيجارة ووضعها في فمه، وقد استغربت أنّه يرتدي قميصًا ذا أكمام طويلة فارغة تبدو كفزاعة، أخبرني أنّه أصبح له ذراعان بعد عودته من الخارج!
سألته عن حاله وقد رأى الاستفهام على وجهي؟ فأشار إليّ أن آخذ السيجارة من فمه، وقد غطّت محيّاه بدخان كثيف حجبت ملامحه، وبعد أن وضعتها في المنفضة على الطاولة بيننا؛ قال لي مازحًا:
– لعلّك تتساءل عن ذراعيّ البلاستيكية ذات البراغي المتشبّثة بجسدي؟
تململت في جلستي ولزمت الصمت، فاستمرّ في حديثه وهو ينظر إلى
بقايا سيجارته المعقوفة في المنفضة، ويتصاعد منها خيط رفيع من الدخان:
– كم أنا ممتن لهم! لقد أخذونا لإعادة تأهيلنا (نحن مفقودي الأطراف) ومنحونا وسام الشجاعة، وأهدوا لنا أطرافًا جديدة جامدة، عندما أنزعها لأنام أضع لها النڤتالين. وانفجر ضاحكًا، ثم أكمل حديثه وقد امتلأت عيناه بالدموع.
لقد علمتني زوجتي كيف أولج إصبعي الذي لا ينثني في أذن فنجان القهوة، وتعلّمت كيف أرفعه إلى فمي وأرتشف قهوتي دون أن أسكبها على ملابسي، وعلّمتني طريقةً أقلب بها صفحات الكتاب، وكيف أستخدم الريموت وأكتب على اللابتوب. تحسّست كلّ الأشياء التي لم أعرف ملمسها، أهي ناعمة أم خشنة، دافئة أم باردة؟ لقد مرّت شهور وأنا أتعلّم من جديد، فبدأت ألفها وأتأقلم معها. تردّدت في سؤاله، ثمّ قلت:
أطرق رأسه وصمت، ثمّ قال: – وأين هي الآن؟ لماذا لا تلبسها؟
– منذ يومين أتت ابنتي (فرحة) تزفّ لي خبر نجاحها، ففتحت لها ذراعي لأحضنها.. ابتعدت وقالت لي:
– لا داعي يا أبي؛ فذراعاك قاسية جدًّا وفي كلّ مرّة تعانقني فيها أتألّم..