دراسات

حركة نشر الكتاب في ليبيا خلال الفترة (2012م – 2019م)

لا يمكن للكتابة الإبداعية في جميع صنوف وأجناس الأدب والعلم والفكر أن تزدهر ما لم تواكبها حركة نشر تهتم بدعم التأليف والطباعة وتتيح المنتوج الإبداعي والفكري للنقاد والدارسين للتمعن فيه والتواصل معه عبر انتقادات وتصويبات وإضافات وتعليقات مختلفة، والتي بدورها مجتمعة تخلق حركة ديناميكية وحوارية متتابعة بين العقول المبدعة الفكرية كافةً.

فالنشر التقليدي في شكله النمطي القديم ممثلاً في الكتاب الورقي يواجه الكثير من الصعوبات الاقتصادية والتحديات الإلكترونية التي صارت تؤثر بشكل لافت في كمية الإصدارات وعدد النسخ الورقية المطبوعة في جميع العلوم والآداب والمعارف، وبعيداً عن الخوض في أسباب تلك التحديات وأنعكاساتها على القاريء والكاتب والناشر معاً، اخترتُ أن أقدم هذه الرسومات البيانية لإطلاع المهتمين بموضوع النشر والكتاب في ليبيا، بعد انشغالي وتمعني بها خلال الفترة الماضية وقراءة بعض المؤشرات الناتجة من مجموعة الإحصائيات العددية (كنماذج) وقد تمكنتُ من الاطلاع عليها بعد أن زودتني بها ثلاثة دور نشر عريقة في ليبيا وهي: دار الفرجاني للنشر، ودار الرواد للنشر، ومكتبة طرابلس العلمية العالمية للنشر والتوزيع، وسأظل ممتناً لهم جميعاً على دعمهم اللامحدود لي حتى أنجزتُ هذه الرسومات (الأولية البسيطة) حول نشر الكتاب في ليبيا، وامتناني موصول كذلك للأستاذ علي عوين رئيس اتحاد الناشرين الذي عرضتها عليه فأسبغ عليّ تشجيعه وتقديره.

وأؤكد بأن هذا العمل الأولي البسيط لا يرقى إلى الدراسة البحثية المتكاملة وإنما غايته حصر واستعراض حركة نشر الكتاب الليبي خلال ثمانية سنوات بداية من 2012م وحتى 2019م على أمل أن يكون أرضية تمهيدية لدراسة أشمل وأكبر عدداً، وأعمق تحليلاً، ينجزها المختصون والمهتمون بطرق بحثية حديثة متقدمة لاستنتاج مؤشرات دقيقة يمكن الاستفادة منها في تطوير عملية التأليف والنشر التي أؤمن بأنها إحدى أهم العناصر للإرتقاء بالفكر النقدي، والإبداع بجميع أشكاله وأجناسه، والحياة بكامل صورها.

كما يسرني أن أحيل المهتمين بهذا الموضوع إلى مقالة الأستاذ سليمان كشلاف المعنونة (لائحة للنشر ضد الكاتب .. ضد الناشر .. وضد القاريء) المنشورة بمجلة (لا) العدد (الرابع والعشرون) السنة الثانية، شهر ديسمبر 1992م، على الصفحات 31-36، التي يقدم فيها قراءة في قرار اللجنة الشعبية العامة رقم 348/92م) بشأن لائحة التأليف والترجمة والتحقيق والنشر، ويختتمها بقوله أن هذه اللائحة (ستكون خراباً ويباباً على الثقافة وعلى صناعة الكتاب في هذا البلد الطيب. فهذه اللائحة يجب أن تكون لصالح الجميع أو فلتلغَ). وكذلك الاستطلاع والدراسة القيمة التي أنجزها الدكتور مصطفى بديوي حول نشر الكتاب في ربوع ليبيا وضمنها حديث الكاتب منصور بوشناف قال فيه (إن حركة النشر لازالت سيئة، رغم أننا نشعر جميعاً بالتغيير الذي حصل، وأننا الآن نعبِّرُ عمّا نريد ونكتبُ ما نريد). 

أولاً: دار الفرجاني للنشر

ثانياُ: دار الرواد للنشر

ثالثا: مكتبة طرابلس العلمية العالمية

رابعاً: بعض المقارنات بين إصدارات دور النشر الثلاثة

أ) مقارنة عدد إصدارات الدور الثلاثة خلال الفترة (2012-2019م) والتي كانت في مجموعها كالتالي:

ومن خلال الجدول والرسومات البيانية يمكن استنباط المؤشرات والملاحظات التالية:

1 – بلغ إجمالي إصدارات دور النشر الثلاثة خلال ثماينة سنوات (2012-2019) هو 160 إصداراً بمعدل 20 كتاب سنوياً وهو رقم يعكس ضعف حركة نشر الكتاب في ليبيا خلال هذه الفترة الزمنية.

2 – كان التباين بسيطاً في إجمالي عدد الإصدارات السنوية بشكل تنازلي بين دور النشر الثلاثة كالتالي: الرواد 59 إصداراً، والفرجاني 56 إصداراً بينما مكتبة طرابلس 45 إصداراً، مما يلمح إلى تشابه الأسباب التي أدت إلى هذا الضعف.

3 – تعد سنة 2013 الأكثر إصداراً بعدد 39 كتاباً بينما سنتي 2016م و 2019م الأقل إصداراً بعدد 12 كتاباً في السنة.

ب) مقارنة تخصصية بين دور النشر الثلاثة

من خلال الإحصائيات العددية والرسومات البيانية يمكن استنباط العديد من الملاحظات والتي أبرزها:

أولاً: غياب كتاب الطفل، حيث لم تنشر كتب الأطفال إلاّ عن طريق مكتبة طرابلس العلمية العالمية، ولهذا تأثير سلبي كبير.

ثانياً: ندرة إصدارات الترجمة من اللغات الأخرى، وهو ما يفقدنا التعرف على الفكر الآخر والاطلاع على تطوراته كافةً.

ثالثاً: قلة إصدارات المرأة الليبية الكاتبة وهو ما يعكس هيمنة الفكر الذكوري على جُلّ أوجه حياتنا عامةً، ويحرمنا من صوت إنساني يشاركنا هذه الحياة.

وسأكتفي بهذه الملاحظات العامة البسيطة المستنبطة من دور نشر أهلية خاصة تاركاً للجميع دراسة الأشكال البيانية بعمق أكثر ومهنية علمية لاستخراج المؤشرات المهمة وتسجيل الملاحظات القيمة حولها، ومحاولة السعي لمقارنتها بإصدارات الجهات الحكومية الرسمية مثل الهيئة العامة للثقافة ومركز جهاد الليبيين ومجمع اللغة العربية والهيئة القومية للبحث العلمي وغيرها من المؤسسات الحكومية.

الخاتمة:

 إن دراسة التحديات التي تواجه نشر الكتاب في ليبيا تستحق الكثير من الاعتناء والاهتمام من جميع الأطراف ذوي العلاقة في عملية الإصدار وهم المؤلف والناشر والقاريء، وغيرهم من الجهات الحكومية العامة والأهلية الخاصة التي يجب أن تتعامل مع تأليف ونشر وإصدار وتوزيع الكتاب على أنه جزء من المهام والمسؤوليات الكبرى ذات الصلة المباشرة بهوية المجتمع وتحصينه ضد التطرف والجهل وبناء مستقبله الفكري والتنموي في جميع التوجهات والمجالات كافة، وبالتالي لابد من وضع سياسات تعاونية مشتركة في هذا المجال بين جميع المعنيين وعدم النظر إليه من جانب تجاري ربحي وتسويقي ضيق، وإغفال الجوانب والتأثيرات الفكرية الأخرى انطلاقاً من أن نشر العلم والأدب والمعرفة والثقافة هو محاربة الجهل والقبح والانحراف والتطرف، وانحياز لقيم المعرفة والجمال والسمو الفكري بتوطين الهوية الوطنية في العقول وزرع البهجة في النفوس.

مقالات ذات علاقة

المرأةُ الليبيةُ: تاريخٌ مجيدٌ وتحدياتُ المستقبل

المشرف العام

جماليات الحكاية والسرد في قصة الأستاذ لمصطفى اللافي

عبدالحكيم المالكي

التناص مع القرآن في الشعر الليبي

سالم أبوظهير

اترك تعليق