يوما كاملا وأنا مربوط إلى جذع شجرة تلسعني أشعة الشمس الحارقة.. لم تستطع أمي “زينب” وعمتي “شريفة” اقناع أبي بفك قيدي وتحريري من الأسر.. بكت والدتي كثيرا، احمر خدها وتورمت مقلتاها أما عمتي فكانت قوية الجأش، لا تهتز للعواصف الهوجاء، رجته أن يطلق سراحي وهي تقول له:
– أخي، حبيبي، فك قيد قرة عيني “حسين” أطلق سراحه.
– لن يكون هذا.
– طيب على الأقل، أدخله لفيء الخيمة.
– خليه يحترق ليعود لرشده.
– ولكن لظى الرمل الحار، أقوى من أن يحتمله طفل في سنه.
– قلت لك لن أطلق سراحه، ولن أعفو عنه قبل أن يحفظ لوحه.
– يا أخي كيف له أن يحفظ اللوح، ويديه مقيدتين إلى عنقه، ورجليه، إلى جذع شجرة؟
– لا تجزعي، ال تخافي عليه، لن يموت.
– إن فككت قيده، سأجعله يحفظ لوحه كاملا عن ظهر قلب، فلا يستحق الأمر كل هذا العذاب، وما لم يتأتى باللين، قطعا لن تجدي معه، ولن تنفع القسوة.. والطفل سيموت يا أخي إن بقي على هذي الحال.
– شريفة!! إن دلعكن له هو ما جعله لا يأبه لما أقول، انظري إلى هؤلاء الأطفال.. بم يتميزون عنه؟
كان أبي يريدني أن احفظ سورة الكافرون، وأقسمت له ألا أقول “قل يا أيها الكافرون” رغم الضرب، والشتم، اللذين تلقيتهما على يديه، واصفا إياي بالكافر، الفاجر، الزنديق، النصراني.. وكم يؤلمني أنني اليوم أحفظها تجويدا وترتيلاً، كما كان يشتهي أبي، ويبغي، لكنه لن يسمعني وأنا أقرأها.. لن يسمعني أبدا.. أبدا.. وبعد توسلات عمتي المتكررة، واستجدائها، أطلق أبي سراحي مهددا باعتقالي مجددا، إذا ما تقاعست، ولم أحفظ السورة.. أدخلتني عمتي الخيمة وراحت تمسح دموعي، وتكفكفها، وتنظف شعر رأسي من الحصى والرمل انضمت إليها والدتي التي لجمها الشيطان لعنه الله فور رؤيتها أبي وهو يقيدني ويضربني.
قالت: أما كان عليك، حفظ السورة كبقية زملائك، بدال من كل هذا العذاب!
قلت لها وأنا أنتفخ غضبا: يا أمي أنا لن أقول “قل يا أيها الكافرون” حتى لو قطعني أبي ورماني للذئاب!
– أصمت!!
قالت عمتي شريفة: إنه قريبا منا، وأخشى أن يسمعك، ويعيدك إلى سجنك.
انتقل أبي إلى الرفيق الأعلى، وأنا لم أحفظ سورة «الكافرون»، رغم محاولات عمتي “شريفة” المضنية في مساعدتي.
1998
2 تعليقات
شكرا بحجم السماء لموقع الطيوب على بهاء التوثيق و تحايا عطرة لصديقي الشاعر المبدع الجميل أ.رامز رمضان النويصري..
_درمشاكي_
الشكر موصول لك أخي ولإبداعك