أذكر وأنا صغير، أني رافقت والدي، ذات يوم إلى المراعي، حيث ترتع قطعان الأغنام في وادي “الرقراق”. كان يوماً قائظاً جدا، لدرجة أن نعجتي ذات اللون الأصفر الفاقع آثرت الاستراحة في فيء شجرة آراك وارفة، على البقاء مع أمهاتها تنهل من الأعشاب اليابسة، وأوراق الشجر الخضراء.. ما أن توسطت الشمس كبد السماء، حتى شعرت بالجوع يقرص معدتي قرصاً، والظمأ يغزو شراييني، مستوليا بمكر، ودهاء، على لعابي. جف حلقي، ابيضت شفتاي، أحسست بدوار مخيف، رهيب، فظيع، تقيأت وبدأ شيئا كالغشاوة يغطي عيني لفرط الإنهاك والتعب، رحت أجرجر قدامي الحافيتين، راسما بهما خطين متوازيين تماما كما يفعل النمل! تأملت والدي.. بدأ متماسكا بشوشا بهي الطلة، نظر إلي رأف لحالي ودنى مني واضعا يده على رأسي متحسسا شعري.. طالت أصابعه رقبتي جذبني إليه ضمني إلى صدره قبلني وغاب مسرعا، تتبعته رأيته يحفر بخنجره الطويل بمحاذاة سدرة ويستل عرقها.. يزيح بلمح البصر قشرته، يناولني العرق ويطلب إلي امتصاصه.
ابتلت عروقي بسائل حلو المذاق، فتحت عيني وابتسمت، كم كانت دهشة والدي، لما قلت له إن سبب عطشي يعود إلى تناولي لكم هائل من علك “صمغ” الطلح القاني اللون، الذي أغراني طعم سائله العسلي اللذيذ.
1998