قصة

الخميس

من أعمال التشكيلي علي الوكواك


الخميس كان يعني اللمة حول أمي وحكايات أبي عن الماضي، كان يعني التنعم بدفء العائلة، وعشاء الفتات باللوبية والاستراحة ولو ليومين من غربة تغرس مخالبها في قلبي الغض، لكن الرجوع إلي البلدة ليس بالأمر السهل مع خلو جيوبي إلا من عشرة دنانير يعطيها لي أبي بين الحين والاخر، تلكم الدنانير كانت بالكد تكفي لشراء بعض الحاجيات من سوق التوانسة الملاصق لسوق مرزق الشعبي، حيث يباع كل شي بدء بالملابس وانتهائها بالخضار الذي تعرضه العجائز تحت ظل النخيل السامقة والموغلة في القدم.

بعد إكمال آخر محاضرة أهرع إلي غرفتي في القسم الداخلي، أجمع حاجياتي في حقيبتي (ساكو) أحملها على كتفي وأدلف الشارع الذي يعج بالسيارات والناس، كان على ان أرسم في عقلي خطة لاصطياد سيارة تقلني، يتمحور البحث في ثلاث أماكن، السوق الشعبي أو المجمع الاداري أو المستشفى.

كان ذلك اليوم حارا جدا في مرزق، مع بعض الرياح التي أثارت غضب الرمال الناعمة النائمة على جنبات الطرق، فأرسلت دراتها المتناهية في الصغر الي عيني لتطفي غضبها وتضيف الي مهمة البحث معاناة اخري.

أتفحص السيارات ومن فيها، اقترب من الناس المسرعة في كل الاتجاهات اراقب ذلك الرجل الذي يلبس جلابية وعمامة يغطي بها انفه ورائه زوجته تكابد للحاق به حتى لا تضيع منه في زحمة السوق تجر ابنها المعاند الذي امتزج صراخه مع جلبة المدينة وأبواق السيارات، الساعة الان قاربت الواحدة ضهرا ومع كل دقيقة تمر يزداد القلق وتتقلص الخيارات المحدودة اصلا، والتي كان أسوأها أخذ الرحلة بالتقسيط، قفز الي ذهني ذلك اليوم الذي استقليت فيه سيارة أنزلتني في أم الأرانب ووجدت نفسي مضطرا للمشي أكثر من 15 كيلومتر.

وأنا مستغرق في ذكرياتي المؤلمة رأيت سيارة بيجو 404 كانت لاحد سكان قريتي، حثثت الخطي تخليت عن بعض الوقار، هرولت حتي لا يفوتني هذا الصيد الثمين، وما إن وصلت تطايرت آمالي، كانت معه زوجته بجانبه، قررت الركوب معه في صندوق السيارة، كان هناك إطار احتياطي يتربع في المنتصف اتخذت منه مقعدا ،، سلكنا منتصف المدينة قاصدين الطريق العام المؤدي الي خارجها.

كانت بقايا البرسيم تتراقص في صندوق السيارة أمامي تشكل زوابع صغيرة ثم تحط علي راسي وشعري، وفجأة ومن حيث لم احتسب برزت أمام عيني مباشرة حافلة الكلية تحمل علي متنها الطالبات، رايتهن يشرن الي، يتضاحكن، أكاد أسمع نكاتهن عن جلستي المثيرة للضحك فوق الاطار، كأن الزمن توقف وتجمدت تلك اللقطة وددت أن أتلاشى، أن أصبح قشة برسيم، أن أصبح جزء من ذلك الاطار القاسي.

بدأنا نبتعد شيئا فشيئا، أغمضت عيني التي ملاءتها حبات الغبار وداعبها القش، رأيت أمي أمام تنورها رائحة خبزها تطرب الأنوف ارتسمت علي وجهي ابتسامة، واستسلمت لأفكاري التي تمايلت مع تمايل السيارة علي الطريق.

مقالات ذات علاقة

الشاهد

أحمد يوسف عقيلة

النبوءة

ما تبقى…!!

المشرف العام

اترك تعليق