المقالة

الشاعر يكتب كمن يرفع إصبعه الوسطى

من أعمال الفنانة التشكيلية “مريم الصيد”

يُصر الكلاسيكيون على ترويض الشعر، على إلباسه بدلة وربطة عنق، ليتحول إلى موظف في القطاع الحكومي ، يجلس على طاولة من خشب أقدامها متهالكة، يركب المواصلات العامة، بيته بائس مليئ بالأطفال والنباتات البلاستيكية وزوجة مزعجة تقارنه بزوج أختها العائد للتو من الخارج وفي حقيبته الآف الدولارات ليعيد بها تجديد البيت على الطراز الخليجي ، هؤلاء الفشلة يعتقدون أنهم يحررون رقبة الشعر بتصنيفه مرة حُر وأخرى مقفى وثالثة نثري وهو يركض وفي كل مرة أيضا مثل طفل عارٍ هارب من توبيخ قاسٍ لأنه نسي أن يغسل أسنانه.


الشعر تجربة فردانية خاصة، لا تخضع للنقد، فكل ناقد هو شاعر فاشل ، وكل شاعر يرضى أن تُنتقد نصوصه هو شاعر فاشل، الشاعر يكتب كمن يرفع أصبعه الوسطى دائمًا. يطلق اللحظات التي قبض عليها وحولها إلى كلمات للفضاء، للوجود، للريح ، حتى لدرج مكتبه ولا ينتظر أن تتحول إلى مهرجان من المديح أو النقد أو محاولات الفهم. أنت شاعر ؟ إذا لا تكتب لتلقي نصوصك أمام مجموعة من الكسالى المتثائبون، يجلسون على كراسي جلدية، يضرطون على مهل وهم يهزون رؤسهم وعلى وجوههم ابتسامة بلهاء، هؤلاء لا يحضرون أمسية لأنهم يحبون الشعر ، بل لأنهم يريدون قتل الوقت في أي شئ ثم يثرثرون عليه وحوله أمام طاولة القهوة المجانية ، المشغول حتى في تنظيف المطبخ، أو تسليك البالوعة لن يقتص من وقته لحضور أمسية أو أصبوحة شعرية.


أصبوحة؟ هل هناك إنسان ، يعي تماما لعنة وجوده، يستقظ صباحًا ، وبدل أن يطلق الرصاص على رأسه، يرتدي ملابسه ويخرج من بيته ليلقي قصيدة متنحنحا أمام ميكروفون ، في قاعة فيها عشرة أشخاص حضروا فقط لأن ليس لديهم ما يفعلونه؟ وهل هناك من يذهب لحضور أمسية الإ لإدعاءه أنه موجود ويحظى بثقة وتصويت اعضاء هذا النسيج النخبوي اللزق بأنه مثقف كامل العضوية في مجامع تدوير الهراء؟

مقالات ذات علاقة

ليبيا وتحدي المستقبل.. فرصة الإصلاح لا تتكرر

رمزي حليم مفراكس

طاسة مُرَّة

عبدالرحمن جماعة

كلنا لِبراليون!

اترك تعليق